وقضيا تلك الليلة على مثل الجمر، وسلمى لم تذق رقادا، وعامر يفكر في تدبير الحيلة لاستطلاع حال عبد الرحمن، فلما أصبحا هيأ عامر جماله وتزيى بزي التجار، وركب قاصدا دمشق، وسلمى تدعو له بالتوفيق وقلبها يخفق خوفا عليه أيضا، لئلا يكون شمر قد دبر له مكيدة، ولما توارى عن نظرها عادت إلى غرفتها وأغلقت الباب، ولما تذكرت حبيبها وما هو فيه من الخطر الشديد فهاجت أشجانها وأجهشت في البكاء.
وفيما هي في ذلك سمعت وقع أقدام خارج غرفتها، وصوتا يشبه صوت الرئيس، ولم تكد تصيخ بسمعها حتى سمعت قرع الباب فأجابه قلبها بدقات متوالية، ووقفت بلا انتباه ويدها اليسرى على خمارها تتأهب لإرساله على رأسها إذا رأت في الباب رجلا غريبا.
ولا تسل عن اضطرابها ووجلها لما فتح الباب ورأت الرئيس، ومعه شمر بن ذي الجوشن، وقد ارتدى أفخر ملابسه وتطيب وأصلح هيئته كأنه يستعد للقاء عروس، فلما رأت برصه ارتعدت فرائصها وحدثتها نفسها أن تبتدره باللعن والتأنيب، ولكنها خافت الفضيحة وهي وحدها هناك، فتجلدت وهي ترتعش. أما الرئيس فلما رأى سلمى وحدها قال لها: أين أبوك؟
قالت: أظنه ذهب إلى دمشق بأحمال التمر في هذا الصباح، فما الذي تريده منه؟
قال: إن مولانا الخليفة بعث إليه بهذا الأمير ليكلمه في شأن.
فلما سمعت اسم الخليفة ورسالته خافت مما وراء تلك الرسالة ولكنها أمسكت عواطفها وأجابته بهدوء فقالت: إن أبي ليس هنا الآن. قالت ذلك وهي ترجو أن ينصرف شمر بهذا الجواب.
فابتسم شمر وهو يحاول أن يتظاهر بالرزانة والاستخفاف معا وقال: لا بأس، فإني مكلف بتأدية هذه الرسالة له أو لك.
قال ذلك ودخل الغرفة، فتحول الرئيس راجعا.
وأما سلمى فظلت واقفة، وقد اصطكت ركبتاها واقشعر بدنها وخافت أن يبدو ذلك الاضطراب في وجهها فبالغت في إرخاء النقاب عليه، ولم تكشف منه إلا عينيها، ولكن شمرا قرأ في تينك العينين أمارات الخوف والوجل، فلما خلا إليها، قال متلطفا: لا تخافي يا سيدتي ولا تظني بي سوءا، ولكني أرجو أن تكوني قد عرفت هذا الوجه. قال ذلك وقبض على لحيته.
فقالت: وماذا في معرفتي إياه؟
صفحة غير معروفة