وخرجت سلمى معه، وقاتلاهم في الطريق، فصاح رئيس القوم بابن عقيل: لا نكذب ولا نخدع، إن القوم بنو عمك وليسوا بقاتليك ولا ضاريك، وكان مسلم قد أثخن بالحجارة وعجز عن القتال، فأسند ظهره إلى حائط الدار وقد ضعف ولم يعد يستطيع قتالا، فجاءه سيد القوم وهو محمد بن الأشعث، فحمله على بغلة وأمنه على حياته.
وما زالوا سائرين به حتى جاءوا القصر وأوقفوه عند بابه، فرأى هناك جرة ماء باردة فقال: اسقوني من هذا الماء.
فقال واحد منهم: أتراها؟ ما أبردها! والله لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم في نار الجحيم.
فقال له: ومن أنت ؟
فقال له: أنا من عرف الحق إذ تركته، ونصح الأمة والإمام إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته، أنا مسلم بن عمر.
فقال له مسلم بن عقيل: لأمك الثكل! ما أجفاك وما أفظعك وأقسى قلبك وأغلظك! أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار الجحيم.
ثم جاء رجل فصب ماء وأعطى مسلما فشرب ثم نظر في القدح فإذا هو قد امتلأ بالدم.
وأمر ابن زياد بمسلم فأصعدوه إلى أعلى القصر فضرب عنقه، ثم أخرجوا هانئا وقتلوه، ولم يبال ابن زياد بعهده الذي أعطاه لهانئ ولمسلم باستبقائهما.
وكانت سلمى لما تحققت فشل مسلم ورأت الدم في وجهه، تذكرت مقتل عبد الرحمن فهاجت عواطفها ومضت تضرب بسيفها وتناضل مناضلة الأبطال، ولولا النار التي اتصلت بها ولحقت بشعرها ما كفت عن الضرب.
فلما انصرفوا أسرعت طوعة إلى سلمى، فأطفأت شعرها ونقابها، وحملتها إلى الفراش وهي غائبة عن الدنيا، ورشتها بالماء حتى أفاقت وصاحت: أين مسلم؟ أين ابن عم الحسين؟
صفحة غير معروفة