فقالت: وأنت أين تقيم؟
قال: أما أنا فذاهب إلى سهل صغير في طرف البرية، وراء الكوفة من جانب الفرات، اسمه كربلاء، فإذا احتجت إلي فإنك تجدينني هناك.
قالت: اذكرني في دعائك، وإني داخلة الكوفة وقلبي ممتلئ أملا، وعسى الله أن يفتح علينا ويفرج كربنا ونرى الحق سائدا.
قال: وأنا أرجو ذلك. ثم ودعها ومضى وفي خاطره أن يزيدها اطمئنانا على حقيقة أمر عبد الرحمن، ولكنه أجل ذلك إلى فرصة أخرى مخافة أن تسير إلى عبد الرحمن بمكة، وهو يرى الكوفة أوسع مجالا للانتقام.
فمشت سلمى حتى دخلت الكوفة كأنها فتاة من فتياتها عائدة من الاحتطاب أو الاستقاء، ومرت بالأزقة فرأت الناس في هرج وسمعت بعضهم ينادون: «يا منصور أمت.» وآخرون يلعنون ابن زياد. فاستبشرت بنقمة الناس عليه، ولكنها أحبت استطلاع الواقع فعولت على الاستفهام من طوعة.
وبعد قليل وصلت إلى دار طوعة فرأتها جالسة لدى الباب وحدها فحيتها، فلما عرفتها رحبت بها واستقبلتها، وكانت قد رأتها قبل سفرها إلى دمشق، فسألتها عن عامر وعبد الرحمن فأجابتها جوابا مبهما وكظمت ما في نفسها، وأدخلتها طوعة البيت وقدمت لها الطعام، فأكلت شيئا واستراحت ولم يبق لها صبر على استطلاع الخبر فقالت: ما بالي أرى أهل الكوفة في هرج؟ ما الذي أصابهم؟ وما معنى قولهم: «يا منصور أمت»؟
فأشارت طوعة إليها أن تخفض صوتها ثم قالت: لعلك كنت غائبة عن الكوفة؟
قالت: كنت في البصرة وقد عدت منها اليوم.
قالت: إن أهل البصرة لا يجهلون ما أصابنا؛ لأنهم شركاؤنا في الأمر.
قالت: سمعت بانتقاض أهل الكوفة على الخليفة الجديد ومبايعتهم الحسين بن علي، على يد ابن عمه مسلم بن عقيل، ولكنني سمعت الناس يلعنون ابن زياد لأنه تولى الإمارة على أن يقاوم المبايعين، ولم أفهم شيئا غير ذلك.
صفحة غير معروفة