ثم أليس الإنسان إمكانية؟ إذن فالحياة تسخو علينا كثيرا، وتنصفنا حين تعرض أمام أنظارنا رجلا له ثقافة وقوة جسدية عاديتان، ثم تخبرنا أنه فعل العجائب، هكذا تقول لنا الحياة إن كلا منا إمكانية تقوى على فعل العجائب.
هنا أسعفني الشاعر الإنكليزي اللورد بيرون بقول حفظته له:
ضع هاني بعل في عينة الميزان، ترى كم كيلو تجد في ذلك المارشال العظيم؟
غير أن في كل إنسان، وفي كل شيء، كمية خفية مجهولة، لا نقدر أن نصفها، أو تقبض عليها أكفنا، لقد عبر عنها الأميركان بلفظة «أمف»
oomph
سمها
x
إن أحببت، ما الذي يجعل هذا الحانوت مقصودا، وهذا الرجل محبوبا، وهذه المرأة فتانة؟ بعضهم تجمع أرقام كفاءاته فإذا هي أكثر من المجموع، وفي البعض الآخر تجدها أقل من المجموع. هذه الكمية الخفية، هذه «الإكس» هي في القاوقجي شيء ضخم.
لقد تعددت اجتماعاتي به، وكان ودي واحترامي له ينموان.
لقد جئته مرة فوجدته مضطربا، صغيره مريض، وطبيب العائلة في الجبل، تلفنت لصديقي «الدكتور جورج صليبي» فهرع، ومعه «الدكتور الفرزلي»، وبعد أن كشفا على الطفل، ووصفا له العلاج، وقفت الأم تحدث زوجها بالألمانية، ووقف القاوقجي يريد أن يقول شيئا فتلعثم، واحمر وجهه، وأرسل كلمات: «إن زوجتي تدعوكم إلى فنجان قهوة.» إنه كان صادقا، فلم يراوغ بأن يتظاهر بدفع أجرة الطبيب؛ إذ إنه لم يكن يملك ذلك الأجر. ولما عاد الدكتور صليبي بالدواء سأله: «كم دفعت ثمنه؟» أجاب: «نحن الأطباء لا ندفع ثمن أدوية، إنها كياسة مهنية بيننا وبين الصيادلة.» «علاك، علاك.» أجاب فوزي القاوقجي مداعبا، وكان في إغضاء عينيه حياء وخجل ومنة. «علاك، علاك.» سمعته يردد هذه الكلمة كثيرا. «مظاهرات» الشوارع، هي «علاك، علاك»، الخطب الحماسية هي «علاك». في إستنبول عام 1912 أدخلونا في حزب، وعصبوا أعيننا، وحلفنا اليمين على السيف والقرآن، وكانت النتيجة «علاك بعلاك». في سنة 1936 جاءتنا رسل رجالات سوريا إلى العراق، فاستشارونا، ووضعنا الخطط، فما فعل رجال السياسة شيئا «علاك، علاك».
صفحة غير معروفة