ثم دعاني الرئيس روهس إلى داخل البيت، وقال: «انظر!»
رأيت كومة تلغرافات لا تقل عن مئات، قال الرئيس: «إن سياسييكم متبجحون؛ راحوا يملئون الدنيا تفاخرا بأن الأكثرية معهم، أين هي كياستهم التي قرأنا عنها في الكتب؟ كل هذه التلغرافات هي من يهود - منظمات وأشخاص - انصبت علي من أنحاء الدنيا. كان يشوقني أن أستلم تلغرافا واحدا من أي مواطنيكم يشكرني به على خطاب رومولو. لقد اصطدمنا مع أصدقائنا الأميركان، وأنت تعرف كم نحن في حاجة لهم بعد خراب الحرب. كان خطاب رومولو الخطاب الوحيد الذي ألقاه مندوب ضد التقسيم، عدا خطابات رجالكم بالطبع ... ولو! ما منحرز كلمة شكر؟» واستدرك: «ولكن بالطبع هذا لم يغير موقفنا، نحن لم نبدل تعليماتنا لمندوبنا.»
وعدت فتحققت أنه أبدلها بسبب ضغط أميركا، وضغط اليهود، ولحد ما لأنه لم يجد التقدير من دولنا. والغريب أيضا أنه في يوم استقلال الفلبين لم ترسل من الدول العربية تلغراف التهئنة التقليدي، إلا العراق، وكان وزير خارجيتها فاضل الجمالي.
بماذا كنا مشغولين سنة 1946حين أعلنت الفلبين استقلالها؟
وتدحرجت راجعا إلى بيت مخيبر كيروز، وقلبي مثقل بالحزن، فلما وصلته سمعت دق الكبة، وناولني مخيبر رسالة «تلتيب» من مانيلا تقول إننا خسرنا التصويت، وإن الفلبين صوتت ضدنا!
ولم أستطع الابتسام!
كانت ثاني صينية أعرضت عنها في الفلبين.
الحرب ... الحرب ... بقيت كلمة عادل أرسلان تدوي في أذني، وبعد أسابيع ثلاثة أرسلت إلى شخصية ضخمة (غير فاروق) في القاهرة أعرض مئتي ألف بارودة من مخلفات الجيش الأميركي بثمانية دولارات البارودة واصلة إلى أي مرفأ يعين، فلم أتلق جوابا. وفي طريقي إلى بيروت مررت بمصر - آذار 1948 - وسألت هذه الشخصية الضخمة: «لم أغفلت عرض الأسلحة؟» أجاب: «إن الأسلحة متوفرة لدينا، عندنا منها أكثر من الحاجة!»
وبعد أسابيع رجع «رومولو» إلى مانيلا؛ فتوجهت إليه مع الصديق كامل حمادة لنشكره؛ فأخبرنا قصة التقسيم، وكان أبدا يردد: «إنها جريمة، إنها جريمة.» ولكنني اضطررت إلى ترك نيويورك والسفر إلى لندن.
أنا لا أحفظ الأوراق والوثائق حتى ولا الكمبيالات، ولا أدري كيف استبقيت رسالة سرية بعث بها إلي صديق لي في الفلبين عن مؤتمر صحفي عقده رومولو، واستحلف مستمعيه أن يبقى سرا، وقد بقي إلى هذه الساعة، وإني لن أبوح به. وقد أهديت نسخة منه إلى «وليم ليلنثول» - الكاتب اليهودي الذي يهاجم إسرائيل - ووكلت إلى السيدة مدام أديب خرطبيل أن تسلمه الكتاب لتغيبي عن الحفلة.
صفحة غير معروفة