الفصل الحادي عشر
جهنم على الأرض
وفي اليوم الثاني بارحت مدينة بطرسبرج قاصدا موسكو، فوصلتها بدون عناء، وقد ساعدني بذلك الأمر الذي أنا حاصل عليه من جلالة القيصر.
فأقمت فيها زهاء يومين، ثم ذهبت إلى نيجني نوفو كورد بعد أن صحبت معي دليلا يعرف تلك الأنحاء، وبعد أن تهيأت لنا أسباب السفر شخصت مع رفيقي على باخرة إلى كازان ثم نهر كاما، فاجتزناه بقارب صغير ودخلنا أشهر مدينة في بيرم بعد أن صرفنا نحو خمسة أيام على وجه الغمر.
وقد صرنا الآن على وشك الخروج من قارة أوروبا، ولم يبق علينا سوى بضعة أميال لنقطع جبال أورال الحاجبة عنا آسيا.
فاكترينا عربة يجرها ثلاثة من جياد الخيل، فسارت بنا وهي تنهب الأرض ركضا، ولم نصادف على الطريق ما يستحق الذكر، وعند المساء حللنا في فندق للمسافرين فرأيت تجاهه عمودا مرتفعا فسألت الدليل ما معنى ذلك؟ قال: إن أحد أمراء الروس يدعى «برماك» أقامه للمسافرين، فحققت به النظر وإذا مكتوبا عليه لجهة الغرب أوروبا وإلى الشرق آسيا، فبت ليلتي بين القارتين وكنت أفكر في بعد المسافة بيني وبين بولينا قائلا لنفسي: هل يتسنى لي الرجوع يا ترى فأراها؟ ثم جددت المسير في اليوم الثاني قاصدا توبلسك، وكان علي أن أنتظر هناك ريثما يرخص لي الحاكم بالذهاب.
غير أن كلمات القيصر القليلة جعلته ينظر إلي باحترام، فأعطاني كتابا إلى قائد الحرس في إيركتسك واسمه فارلاموف ورقعة مرور، فشكرته ورمت الذهاب، فلم يخل طريقي بل طلب إلي أن أتناول الغذاء معه، فاعتذرت أولا بعدم إمكاني، ولكنه ألح علي بذلك، فأجبت سؤله عن غير طيبة خاطر.
وعندما انتهينا من الأكل أحضر الشاي بآنية كبيرة جدا حتى إني لم أقدر أن أتصور معدة تسع كل ما فيها، ومع وفور الكمية كانت حارة جدا لدرجة لا تكفيها نصف ساعة لتلطيفها.
فنهضت عندئذ عن المائدة والتمست من الحاكم عذرا بعدم مقدرتي على مشاركتهم هذا الحظ الأخير لما أنا عليه من الشوق لسرعة السفر، ثم ودعته وذهبت ولساني ينطق بشكره.
وبعد ذلك سمعت من أهالي البلاد أن بعضهم يستعملون الشاي وقت الأكل ممزوجا بدماء الحيوانات، فشكرت الله لأني لم أذقه، وكنت أود أن أكون خالي البال فأستقصي عوائد تلك البلاد الغريبة ، ولكن الضرورة ألجأتني لمبارحتها حالا. فذهبت إلى تاره ثم كنسك وكوليفيان ومنها إلى كرسونياك وإرنسك، وأخيرا وصلنا إيركتسك وفيها نهاية سفري. وهناك سألت عن فارلاموف، فقيل لي: إنه ذهب بالمسجونين إلى خارج البلدة لكي يتعاطوا الأشغال العادية، وسيعود غدا الساعة الرابعة بعد الظهر، فلم يكن أسهل لدي من الانتظار لما أنا عليه من التعب.
صفحة غير معروفة