329

روضة العابدين

الناشر

مكتبة الجيل الجديد

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م

مكان النشر

صنعاء - اليمن

تصانيف

هذه هي الدنيا!
الإنسان العاقل ينظر إلى الأمور بعين عقله، لا بعين هواه، ويقيسها بلُبِّه لا بشهواته، ويتأمل في مآلاتها ولا ينظر إلى لذاتها العاجلة التي تعقب حسرات دائمة، فشيء مفروح بأوله محزون بآخره لا ينبغي الالتفات إليه، وشيء قليل مكدر، لا يقدَّم على شيء كثير غيرِ مشوب.
هكذا يأمرنا الله تعالى أن ننظر إلى الحياة الدنيا بالبصيرة لا بالبصر، وبعاقبة أمرها، لا بإقبال أوائلها، يقول تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [القصص: ٦٠]، " أي: تتمتعون بها أيام حياتكم، ثم هي إلى فناء وانقضاء، ﴿وما عند الله خير وأبقى﴾؛ لأن منافع الآخرة خالصة عن الشوائب وهي دائمًا غير منقطعة، ومنافع الدنيا كالذرة بالقياس إلى البحر العظيم ﴿أفلا تعقلون﴾ أي: أن الباقي خير من الفاني، وقيل: من لم يرجح الآخرة على الدنيا فليس بعاقل؛ ولهذا قال الشافعي: من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس صُرف ذلك الثلث إلى المشتغلين بطاعة الله؛ لأن أعقل الناس من أعطي القليل وأخذ الكثير، وما هم إلا المشتغلون بطاعة الله تعالى" (^١).
قال ابن مسعود ﵁: "الدنيا دارُ من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له" (^٢).

(^١) تفسير الخازن (٥/ ١٧٩).
(^٢) عدة الصابرين، لابن القيم (ص: ١٩٢).

1 / 333