الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
الناشر
دار إحياء التراث العربي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
1418هـ- 1998م
مكان النشر
لبنان
فالحمد لله لا أبغي به بدلا . . . وإنما الرزق بالتقدير مقسوم اعلم أن أمهات المططالب أربعة وهي هل سؤال عن الوجود وما هو سؤال عن الحقيقة التي يعبر عنها بالماهية وكيف وهو سؤال عن الحال ولم وهو سؤال عن العلة والسبب واختلف الناس فيما يصح منها أن يسأل به عن الحق واتفقوا على كلمة هل فإنه يتصورر أن يسأل بها عن الحق واختلفوا فيما بقي فمنهم من منع ومنهم من أجاز فالذي منع وهم الفلاسفة وجماعة من الطائفة منعوا ذلك عقلا ومنهم من منع ذلك شرعا فأما صورة منعهم عقلا أنهم قالوا في مطلب ما إنه سؤال عن الماهية فهو سؤال عن الحد والحق سبحانه لا حد له إذا كان الحد مركبا من جنس وفصل وهذا ممنوع في حق الحق لأن ذاته غير مركبة من أمر يقع فيه الإشتراك فيكون به في الجنس وأمر يقع به الإمتياز وما ثم إلا الله والخلق ولا مناسبة بين الله والعالم ولا الصانع والمصنوع فلا مشاركة فلا جنس فلا فصل والذي أجاز ذلك عقلا ومنعه شرعا قال لا أقول أن الحد مركب من جنس وفصل بل أقوال أن السؤال بما يطلب به العلم بحقيقة المسؤل عنه ولا بد لكل معلوم أو مذكور من حقيقة يكون في نفسه عليها سواء كان على حقيقته يقع له فيها الإشتراك أو يكون على حقيقة لا يقع له فيها الإشتراك فالسؤال بما يتصور ولكن ما ورد به الشرع فمنعنا من السؤال به عن الحق لقوله تعالى ليس كمثله شيء وأما منعهم الكيفية وهو السؤال بكيف فانقسموا أيضا قسمين فمن قائل بأنه سبحانه ماله كيفية لأن الحال أمر معقول زائد على كونه ذاتا وإذا قام بذاته أمر وجودي زائد على ذاته أدى إلى وجود واجبي الوجود لذاتهما أزلا وقد قام الدليل على إحالة ذلك وأنه لا واجب إلا هو لذاته فاستحالت الكيفية عقلا ومن قائل أن له كيفية ولكن لا نعلم فهي ممنوعة شرعا لا عقلا لأنها خارجة عن الكيفيات المعقولة عندنا فلا تعلم وقد قال ليس كمثله شيء يعني في كل ماينسب إليه مما نسبه إلى نفسه يقول هو على ما تنسبه إلى الحق وإن وقع الإشتراك في اللفظ فالمعنى مختلف وأما السؤال بلم فممنوع أيضا لأن أفعال الله تعالى لا تعلل لأن العلة موجبة للفعل فيكون الحق داخلا تحت موجب أوجب عليه هذا الفعل زائد على ذاته وأبطل غيره إطلاق لم على فعله شرعا بأن قال لا ينسب إليه ما لم ينسب غلىنفسه فهذا معنى قولي شرعا لا إنه ورد النهي من الله عن كل ما ذكرنا منعه شرعا وهذا كله كلام مدخول لا يقع التخليص منه بالصحة والفساد إلا بعد طول عظيم هذا قد ذكرنا طريقة من منع وأما من أجاز السؤال عنه بهذه المطالب من العلماء فهم أهل تالشرع منهم وسبب إجازتهم لذلك إن قالوا ما حجر الشرع علينا حجرناه وما أوجب علينا أن نخوض فيه خضنا فيه طاعة أيضا ومالم يرد فيه تحجير ولا وجوب فهو عافية إن شئنا تكلمنا فيه وإن شئنا سكتنا عنه وهو سبحانه ما نهى فرعون على لسان موسى عليه السلام عن سؤاله بقوله ومارب العالمين بل أجاب بما يليق به الجواب عن ذاك الجناب العالي وإن كان وقع الجواب غير مطابق للسؤال فذلك راجع لأصطلاح من اصطلح على أنه لا يسأل بذلك إلا عن الماهية المركبة واصطلح على أن الجواب بالأثر لا يكون جوابا لمن سأل بما وهذا الاصطلاح لا يلزم الخصم فلم يمنع إطلاق هذا السؤال بهذه الصيغة عليه إذ كانت الألفاظ لا تطلب لأنفسها وإنما تطلب لما تدل عليه من المعاني التي وضعت لها فإنها بحكم الوضع وما كل طائفة وضعتها بإزاء ما وضعتها الخرى فيكون الخلاف في عبارة لا في حقيقة ولا يعتبر الخلاف إلا في المعاني وأما إجازتهم الكيفية قمثل إجازتهم السؤال بما ويحتجون نفي ذلك بقوله تعالى سنفرغ لكم أيها الثقلان وقوله إن لله عينا وأعينا ويدا وإن بيده الميزان يخفض ويرفع وهذه كلها كيفيات وإن كانت مجهولة لعدم الشبه في ذلك وأما إجازتهم السؤال بلم وهو سؤال عن العلة فلقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي لعبادتي فمن ادعى التحجير في إطلاق هذه العبارات فعليه بالدليل فيقال للجميع من المتشرعين من الحكماء فالخوض معهم في ذلك لا يجوز إلا ان أباح الشرع ذلك أو أوجبه وأما إن لم يرد في الخوض فيه معهم نطق من الشارع فلا سبيل إلى الخوض فيه معهم فعلا ويتوقف في الحكم في ذلك فلا يحكم عل ى من خاض فيه أنه مصيب ولا مخطىء وكذلك فيمن ترك الخوض إذ لا حكم إلا للشرع فيما يجوز أن يتلفظ في ذلك أن نقول كما أنه سبحانه لا يشبه شيئا كذلك لا تشبهه الأشياء وقد قام الدليل العقلي والشرعي على نفي التشبيه وإثبات التنزيه من طريق المعنى وما بقي الأمر إلا في إطلاق اللفظ عليه سبحانه أنه أباح لنا إطلاقه عليه في القرآن أو على لسان رسوله فإما إطلاقه عليه فلا يخلو إما أن يكون العبد مأمورا بذلك الإطلاق فيكون إطلاقه طاعة فرضا ويكون المتلفظ به مأجورا مطيعا مثل قوله في تكبيرة الإحرام الله أكبر وهي لفظة وزنها يقتضي المفاضلة وهو سبحانه لا يفاضل وأما أن يكون مخيرا فيكون بحسب ما يقصده المتلفظ وبحسب حكم الله فيه وإذا أطلقناه فلا يخلو الإنساان إما أن يطلقه ويصحب نفسه في ذاك الإطلاق المعنى المفهوم منه في الوضع بذلك اللسان أولا يطلقه إلا تعبدا شرعيا على مراد الله فيهمن غير أن يتصور المعنى الذي وضع له في ذلك اللسان كالفارسي الذي لا يعلم اللسان العبي وهو يتلو القرآن ولا يعقل معناه وله أجر التلاوة كذلك العربي فيما تشابه من القآن والسنة يتلوه أو يذكر ربه تعبدا شرعيا على مراد الله فيه من غير ميل إلى جانب بعينه محصص فإن التنزيه ونفي التشبيه يطلبه إن وقف بوهمه عند التلاوة لهذه الايات فالأسلم والأولى في حق العبد أن يرد علم ذلك إلى الله في إرادته إطلاق تلك الألفاظ عليه إلا أن أطلعه الله على ذلك وما المراد بتلك الألفاظ من نبي أو ولي محدث ملهم على بينة من ربه فيما يلهم فيه أو يحدث فذلك مباح له بل واجب عليه أن يعتقد المفهوم منه الذي أخبر به في إلهامه أو في حديثه وليعلم أن الآيات الممتشابهات إنما نزلت إبتلاء من الله لعباده ثم بالغ سبحانه في نصيحة عباده في ذلك ونهاهم أن يتبعوا المتشابه بالحكم أي لا يحكموا عليه بشيء فإن تأويله لا يعلمه إلا الله وأما الراسخون في العلم إن علموه فبإعلام الله بفكرهم واجتهادهم فإن الأمر أعظم أن تستقل العقول بإدراكه من غير إخبار إلهي فالتسليم أولى والحمد لله رب العالمين وأما قوله ألم تر كيف وأطلق النظر على الكيفيات فإن المراد بذلك بالضرورة المكيفات لا التكييف فإن التكييف اجع إلى حالة معقولة لها ننسبة إلى المكيف وهو الله تعالى وما أحد شاهد تعلق القدرة الإلهية بالأشياء عند إيجادها قال تعالى ما أشهدتهم خلق السموات والأرض فالكيفيات المذكورة التي أمرنا بالنظر إليها إلا فيها إنما ذلك لنتخذها عبرة ودلالة على أن لها من كيفها أي صيرها ذات كيفيات وهي الهيئآت التي تكون عليها المخلوقات المكيفات فقال أفلا تنظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى الجبال كيف نصبت وغير ذلك ولا يصح أن تنظر إلا حتى تكون موجودة فننظر إليها وكيف اختلفت هيئاتها ولو أراد بالكيف حالة الإيجاد لم يقل انظر إليها فإنها ليست بموجودة فعلمنا أن الكيف المطلوب منافي رؤية الأشياء ما هو ما يتوهم من لاعلم له بذلك ألا تره سبحانه لما أراد النظر الذي هو الفكر قرنه بحرف في ولم يصحبه لفظ كيف فقال تعالى أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض المعنى أن يفكروا في ذلك فيعلموا أنها لم تقم بأنفسها وإنما أقامها غيرها وهذا النظر لا يلزم منه وجود الأعيان مثل النظر الذي تقدم وإنما الإنسان كلف أن ينظر بفكره في ذلك عليه أنه لا يشبهها إذ لو أشبهها تلجاز عليه ما يجوز عليها من حيث ما أشبهها وكان يؤدي ذلك إلى أحد محظورين ما أن يشبهها من جميع الوجوه وهو محال لما ذكرناه أو يشبههها من بعض الوجوه ولا يشبهها من بعض الوجوه فتكون ذاته مركبة من أمرين والتركيب في ذات الحق محال فالتشبيه محال والذي يليق بهذا الباب من الكلام يتعذر إيراده مجموعا في باب واحد لما يسبق إلى الأوهام الضعيفة من ذلك لما فيه من الغموض ولكن جعلناه مبددا في أبواب هذا الكتاب فاجعل بالك منه في أبواب الكتاب تعثر على مجموع هذا الباب ولا سيما حيثما توقع لك مسئلة تجل إلهي فهناك قف وانظر تجد ما ذكرته لك مما يليق بهذا الباب والقرآن مشحون بالكيفية فإن الكيفيات أحوال والأحوال منها ذاتية للمكيف ومنها غير ذاتية والذاتية حكمها حكم المكيف سواء كان المكيف يستدعى مكيفا في كيفيته أو كان لا يستدعى مكيفا لتكييفه بل كيفيته عين ذاته وذاته لا تستدعى غيرها لأنها لنفسها هي فكيفيته كذلك لأنها عينه لا غيره ولا زائد عليه فافهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
الباب التاسع والعشرون في معرفة سر سلمان كالذي ألحقه بأهل البيت
والأقطاب الذين ورثه منهم ومعرفة أسرارهم
العبد مرتبط بالرب ليس له . . . عنه إنفصال يرى فعلا وتقديرا
والابن أنزل منه في العلى درجا . . . قد حرر الشرع فيه العلم تحريرا
فالابن ينظر في أموال والده . . . إذ كان وارثه شحا وتقتيرا
والابن يطمع في تحصيل رتبته . . . وإن يراه مع الموات مقبورا
والعبد قيمته من مال سيده . . . إليه يرجع محتارا ومجبورا
الذل يصحبه في نفسه أبدا . . . فلا يزال بستر العز مستورا
صفحة ٢٥٦