ثم إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح، وأنهضها بما يبهر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ثم إن أملأ العلوم)، قيل: المليء: الغني المقتدر. وقد ملؤ ملاءة وهو أملأ منه على أفعل التفضيل. ومنه قول شريح: اختر أملأهم، أي: أقدرهم. ولا يجوز أن يكون من قولهم: ملأت الإناء ملئًا فهو مملوء، لأنه متعد ولا معنى له ها هنا.
قلت: بل هذا الثاني أحسن لكن على أنه لازم ليتفرع على الاستعارة الترشيح وهو قوله: "بما يغمر القرائح" فإنه لا يناسب الغني المقتدر. قال المصنف في "المقدمة": ملئ الإناء بفتح الميم وكسر اللام، أي: امتلأ.
وفي "إقناع" المطرزي: ملأ الوعاء وهو ملآن بفتح الميم واللام. فالاستعارة في "أملأ"، والقرينة الإضافة. "وبما يغمر" ترشيح. و"ما" إبهامية و"من" للبيان، أي: أكثر العلوم امتلاء بالذي يغمر القرائح، وهو غرائب نكت علم التفسير.
و"يغمر" أي: يستر ويعلو، من غمره الماء، أي: علاه وغلبه.
قوله: (القرائح)، وهي جمع قريحة، وهي أول ما يخرج من البئر. فاستعمل في محله مجازًا، ثم استعير للطبيعة من حيث صدور العلوم منها كالماء للبئر، يقال: لفلان قريحة، ويراد منه أنه مستنبط للعلوم.
قوله: (وأنهضها)، أي: أقومها، من قولهم: نهض النبت إذا استوى. "يبهر": يغلب.