فصول من الفلسفة الصينية: مع النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب منشيوس
تصانيف
بقيت تعاليم المعلم الأول فاعلة في الحياة الفكرية والروحية للشعب الصيني، وتعاونت مع الكونفوشية على تشكيل موقف الإنسان الصيني من الكون والحياة والمجتمع، ولكن تاوية لاو تسو التي طورها من بعده تلاميذه، لا سيما تشوانغ تزو الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، والتي ندعوها اليوم بالتاوية الفلسفية، بدأت منذ مطلع العصر الميلادي بالتحول إلى ديانة تبنت العديد من أفكار الكيمياء السحرية (= الخيمياء أو السيمياء) والممارسات اليوجية، وصار لها كهنة ومعابد وطقوس وشخصيات سماوية قدسية، وكتاب مقدس جمعت فيه النصوص التاوية، وانحرفت بذلك عن الطريق الذي رسمه لها المعلم.
على أن التاوية الفلسفية تلقت زخما جديدا مد في عمرها إلى يومنا هذا؛ فبعد دخول البوذية إلى الصين في أواسط الألف الأول الميلادي، تشكلت تاوية فلسفية جديدة متسربلة برداء بوذي، هي بوذية ال «تشان» التي جمعت بين العناصر التاوية والعناصر البوذية في تركيب واحد (والاسم يكتب باللغات الأوروبية:
Chi’an )، وأبقت على تعاليم لاو تسو حية. وما زالت هذه التاوية منتشرة في اليابان وبعض أقطار الشرق الأقصى تحت اسم بوذية الزن
Zen ، التي تلقى اليوم اهتماما واسعا على النطاق العالمي، وتنتشر مدارسها في أوروبا وأميريكا الشمالية.
فما الذي قاله لاو تسو؟
في المبدأ الأول: تقوم فلسفة لاو تسو على مفهوم رئيس هو التاو. والكلمة في اللغة الصينية تعني الطريق أو الطريقة؛ فهي أقرب إلى الكلمة الإنكليزية
way
التي تتضمن المعنيين، فنقول:
This is the way to Damascus ، ونقول أيضا:
This is my way of doing things ؛ أي هذا هو الطريق إلى دمشق، وهذه طريقتي في العمل؛ فال «تاو» هو طريق الطبيعة أو الطريقة التي ينشط بها الكون، وليس اسما بل إشارة إلى المبدأ الأول أو الشمولي الذي نجم عنه كل شيء؛ فالاسم يدل على شيء محدد معروف وموصوف، أما التاو فصيرورة دائمة التدفق والجريان تأبى على التسمية وعلى الوصف أيضا، ونحن لا نستطيع وصفها إلا من خلال وصف الطريقة التي تفعل بها. من هنا فإن التاو ليس ألوهة خالقة للعالم تتحكم به من خارجه، بقدر ما هو خميرة تفعل به من داخله ، والعالم ليس مخلوقا بل هو تلقائي النشأة، وتلقائي النشأة هو تلقائي الاستمرار، إنه أشبه ببنية عضوية ليست بحاجة إلى من يديرها، وليس فيها حاكم أو محكوم ؛ لأن الكل يحدث من تلقاء ذاته وفي ترابط وتزامن مع حدوث الآخر. وفي هذا يقول تشوانغ تزو تلميذ المعلم في الكتاب المعروف باسمه: «قد يبدو أن للعالم سيدا، ولكن ما من دلائل على وجوده. لننظر إلى الجسد الإنساني بعظامه المائة وفتحاته التسعة وأجهزته الداخلية الستة، إنها متكاملة وموجودة في أماكنها الصحيحة. هل يمكن لنا وضع أسبقية لواحدها على الآخر؟ هل نضعها على قدم المساواة؟ هل هي خدم كلها لا تستطيع ضبط بعضها بعضا؟ هل تتبادل دور الخادم والسيد على التوالي؟ ألا ترى أن هنالك شيئا جوهريا مزروعا في صميم تكاملها؟»
صفحة غير معروفة