فصول من الفلسفة الصينية: مع النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب منشيوس
تصانيف
The Great Learning ، وعقيدة الوسطية أو الاعتدال
Doctrine of the Mean . وتعتبر هذه المصادر الثلاثة إضافة إلى كتاب منشيوس، الذي عاش بعد أكثر من قرن من زمن كونفوشيوس واعتبر نفسه تلميذا له، بمثابة الكتب الكلاسيكية الأربعة للفلسفة الكونفوشية. كما يتجلى إبداع كونفوشيوس أيضا بتقديمه لأفكار أصيلة تتعلق بإصلاح الفرد والمجتمع.
ففيما يتعلق بالمجتمع رأى أن تحقيق المجتمع السليم يبدأ بما دعاه «تصحيح الأسماء»؛ فقد سأله تلميذ له قائلا: «إن أمير دولة وي يتوقع منكم عونه على إدارة شئون الدولة، فماذا ستكون أولوياتكم حينئذ؟» فأجابه: «علينا أولا أن نقوم بتصحيح الأسماء.» وما يعنيه كونفوشيوس هنا بتصحيح الأسماء، على ما نفهم من أقوال أخرى له في كتاب الحوار، هو أن كل اسم يحمل معاني ومضامين ينبغي أن تنطبق على حامل هذا الاسم؛ فعلى الحاكم أن يكون حاكما وفق ما يتضمن هذا الاسم من القيام بواجبات تشكل جوهره، وعلى الوزير أن يكون وزيرا، والأب أبا، والابن ابنا، والصديق صديقا ... إلخ. إن حامل كل اسم في شبكة العلاقات الاجتماعية ينبغي أن يكون جديرا بهذا الاسم وواعيا لجوهره.
وقد رأى كونفوشيوس أن الطريق الأقصر لإصلاح المجتمع هو إصلاح الحاكم والطبقة الإدارية؛ لأن الحاكم إذا انصلح كان في ذلك صلاح للمجتمع. وقد قال موجها كلامه للحكام: «إذا قومت نفسك لن تجد صعوبة في الحكم، وإذا لم تقوم نفسك كيف تقدر على تقويم الآخرين؟» وقال أيضا: «إذا قومت نفسك وجدت الرعية تنقاد إليك دون أن تصدر لها الأوامر، وإذا لم تقوم نفسك لن تلقى الطاعة من الرعية حتى لو أصدرت لها الأوامر.» وأيضا: «إذا حكمت بقوة فضيلتك تغدو مثل نجم القطب الذي يبقى ثابتا في مكانه، وكل النجوم تدور حوله.» وأيضا: «ألم يكن الملك الحكيم شون هو الذي حكم البلاد دون بذل جهد؟ ما الذي فعله شون؟ لقد هذب نفسه واستوى على العرش.»
مثل هذا التوجه إلى الحاكم بالنصح والإرشاد لم يكن مألوفا من قبل، في عصر كان فيه أصحاب السلطان يحكمون من خلال مبدأ القوة، فجاء كونفوشيوس ليستبدل مبدأ الحكم بالقوة بمبدأ الحكم بالفضيلة. وهو يرى أن نشر القيم الفاضلة لا يتم بالتعليم فقط وإنما بالتقليد، وعيش الأخلاق الفاضلة عند الحاكم أكثر نجاعة من الكلام عنها والتبشير النظري بها. وليس من المجدي في رأيه ردع المفسدين عن الفساد بالعقوبات؛ لأنهم سيعودون إلى الفساد عندما تتراخى قبضة الدولة وتعم الفوضى، والأكثر جدوى هو أن يعوا ويفهموا أن ما يقومون به غير لائق بهم كبشر. وفي هذا يقول في كتاب الحوار: «إذا حكمت بالقوانين وضبطتهم بالعقوبات فسوف يتفادون ارتكاب الجرائم دون أن يشعروا بالعار إذا هم ارتكبوها. أما إذا حكمتهم بالفضائل وضبطتهم بقواعد الأدب والمعاملات فسوف يشعرون بالعار من ارتكابها ويقومون أنفسهم.»
وأول ما يعود على الحاكم من إصلاح نفسه هو اكتساب ثقة الشعب؛ لأن الحكومة إذا فقدت ثقة الشعب فقدت مبررات وجودها. سأله أحد تلاميذه عن الأساس الذي تقوم عليه الحكومة المثلى، فقال له: «طعام وافر وسلاح وافر وثقة الشعب.» فسأله ثانية: «إذا خيرت في حذف واحد من هذه الثلاثة فماذا تختار؟» فقال: «السلاح.» فسأله أيضا: «إذا خيرت في حذف واحد من هذين الاثنين فأيهما تختار؟» أجابه: «الطعام؛ لأن الموت نصيب كل البشر، أما إذا فقدت الحكومة ثقة الشعب فلن تقوم لها قائمة (وتتداعى الدولة).» وقال في موضع آخر: «إذا حاز الحاكم ثقة الشعب فسوف يكدحون من أجله، أما إذا فقد ثقتهم فسيرون فيه طاغية.»
ولما كانت أعباء الحكم لا تقع على الحاكم وحده بل وعلى بطانته أيضا من وزراء ومستشارين وإداريين في الوظايف المختلفة، فإن على الحاكم أن يستميل الأفاضل من المثقفين لشغل الوظائف العامة، وأن يكون معياره في ذلك هو الكفاءة والفضيلة دون النظر إلى المنبت الطبقي. وكانت هذه الفكرة ثورة في عصر كونفوشيوس عندما لم يكن العامة مهيئين لشغل الوظائف الحكومية، فراح كونفوشيوس يستشهد بالملوك الحكماء الأوائل وقال: «عندما ارتقى الملك شون سدة الحكم اختار من العامة كاو ياو لمنصب الوزير الأول فاختفى المفسدون، وعندما ارتقى الملك تانغ سدة الحكم اختار من العامة آي ين فاختفى المفسدون.» وعندما سأله تلميذ له عندما تولى الوزارة عن أصول الحكم الصحيح قال له: «بادر أولا إلى تعيين موظفين أكفاء، وضع رجالا صالحين في مراكز المسئولية.»
وهكذا نجد أن فلسفة كونفوشيوس في أصول الحكم ترتكز على ثلاثة مبادئ هي: (1) الحكم بالفضيلة لا بالقوة، (2) ثقة الشعب الحاكم، (3) موظفون أكفاء وصالحون من مختلف الشرائح الاجتماعية. وهذا أعلى مستوى من الديمقراطية يمكن تحقيقه في ذلك العصر.
هذه هي الأفكار الأصلية التي قدمها كونفوشيوس لإصلاح المجتمع. وننتقل الآن إلى أفكاره الأصلية في إصلاح الفرد؛ ففيما يتعلق بتنمية الفضائل الفردية ركز كونفوشيوس على المفاهيم التالية: (1) الصلاح أو الاستقامة
Yi :
صفحة غير معروفة