المفاهيم الكلية أو أفراده المستقلة لكنه على خلاف التحقيق فالحمل على ما ذكرناه أولى واعلم أيضا أنا نريد بخصوصيات الطلب و أفراده مفهومه المقيد بالنسب الثلاث لا كل فرد من أفراده الحقيقية فيصح تعلق أمر واحد بأمور عديدة على الاستقلال كما يصح تعلقه كذلك بأمر واحد لاشتراك الجميع في كونه طلبا مقيدا بنسب ثلاث غاية الامر أن المعنى المذكور في القسم الأول ينتزع من موارد عديدة وذلك لا يوجب تعدد المعنى حتى يلزم استعمال لفظه في أكثر من معنى واحد ولا فرق في ذلك بين أن يكون أفراد الطلب إيجابية أو ندبية أو إيجابية وندبية لاشتراك الطلب المقيد بالنسب الثلاث بين الجميع إذ لم يعتبر انتسابه إلى فعل واحد أو فاعل واحد فيصح إطلاقه على الواحد والمتعدد ومن هنا كان نحو صلوا إذا جعل خطابا إلى من يجب عليه ومن يستحب في حقه وصل الفرائض و النوافل ونحو ذلك على الحقيقة حجة المشهور أمور الأول القطع بأن المولى إذا قال لعبده افعل كذا مجردا عن القرينة فخالف عد عاصيا وذمه العقلا عليه وذلك آية الوجوب وإذا ثبت عرفا ثبت لغة و شرعا لأصالة عدم النقل الثاني أن علماء الاعصار والأمصار لم يزالوا يستدلون بظاهر الأوامر الواردة في الكتاب والسنة على الوجوب من غير نكير وليس ذلك إلا لكونه حقيقة فيه وذلك إجماع منهم على المدعى الثالث قوله تعالى مخاطبا لإبليس ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك فإنه إنكار منه تعالى لوجود المانع من السجود أي ما يصلح للمنع منه عقلا أو شرعا لا مطلق المانع لامتناع الترك بدونه وذلك لامتناع حمل الاستفهام منه تعالى على حقيقته لعلمه بالمانع على تقدير تحققه ويدل مع ذلك على توبيخه وذمه على مخالفته لامره المشار إليه في قوله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم والذم و التوبيخ دليل الوجوب لا يقال امتناع حمل الاستفهام منه تعالى على حقيقته لا يعين حمله على الانكار التوبيخي الذي لا يكون إلا على ترك الواجب أو فعل المحرم لامكان حمله على إرادة التقرير و الاعتراف بالمانع أو على الانكار اللومي الذي يكون على ترك المندوب أيضا ولا ينافيه اللعنة والطرد المترتبين عليه كما يدل عليه الآية الأخرى لجواز أن يكون ذلك بسبب إنكاره لحكمة التكليف أو استكباره حيث قال أنا خير منه وأما ما يقال في دفعه من أن استكباره لم يكن عليه تعالى بل على آدم فيرجع بالنسبة إليه تعالى إلى مجرد المخالفة فليس بشئ لابتنائه على أن الاستكبار وإظهاره لا سيما على مثل آدم وترك طاعته في استحقاره لا يوجب الطرد واللعنة لا سيما بالنسبة إلى الذين يرون أنفسهم بمكان من العبودية والانقياد وهذا كله في محل المنع ومما يدل على حرمة استكباره قوله تعالى استكبرت أم كنت من العالين وقوله تعالى ما يكون لك أن تتكبر فيها لأنا نقول الظاهر من مساق الآية أن يكون الاستفهام للانكار لا للتقرير بالمانع وحيث يدور الامر بين الذم واللوم فالمتبادر من الاطلاق هو الذم على ما يساعده عليه متفاهم العرف والسر فيه أنه الفرد المتكامل في الانكار بخلاف اللوم فيتعين الحمل عليه فتأمل فإن قلت هذا الاستدلال مبني على أن يكون الطلب منه تعالى واقعا بهذه اللفظة وهو ممنوع لجواز أن يكون بإلهام أو وحي ولو سلم فلعله كان محفوفا بقرائن تدل على إرادة الايجاب ولو سلم فغاية ما يترتب عليه أن يكون الامر حقيقة في عرف الملائكة وذلك لا يقتضي أن يكون كذلك في عرفنا قلت ظاهر الآية يقتضي صدور هذا القول أو ما يرادفه والخروج عنه يحتاج إلى مستند ولا يكفي فيه مجرد الاحتمال واحتمال القرينة مدفوع بأصالة عدمها وبأنها لو كانت لاقتضى ظاهر الحكاية نقلها اللهم إلا أن يقال استغنى عن حكايتها بحكاية الذم على المخالفة والاختلاف بين عرفنا وعرف الملائكة مدفوع بأصالة عدم تعدد الوضع بناء على أن الواضع هو الله تعالى و إلا أمكن دفعه بأن الحكاية ظاهرة في الموافقة للمحكي وفيه نظر يظهر مما مر ويمكن الاحتجاج بهذه الآية أيضا باعتبار إطلاق الامر فيها على الطلب المستفاد من لفظ اسجدوا بناء على ما حققناه من أنه حقيقة في الطلب الإلزامي ويتجه عليه بعض المناقشات المتقدمة الرابع قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم فإنه تعالى هدد مخالف أمره حيث أمره بالحذر عن الفتنة أو العذاب وهذا الامر للوجوب قطعا إذ لا معنى لندبية الحذر عن العذاب لان المقتضي له إن كان موجودا حسن الحذر و وجب وإلا لم يحسن فلا يلزم الدور وأما ما يقال من أنه لا عموم في الامر ولا نزاع في عدم جواز مخالفة بعض الأوامر ولو سلم فلعل المراد منه العموم المجموعي دون الافرادي فلا يلزم المقصود إذ لا يجوز المخالفة في جميع المندوبات فمدفوع بأن الظاهر من ترتب التحذير على مخالفة مطلق الامر دون خصوص المحفوف منه بالقرينة كون مطلقه للوجوب أو أن الامر مصدر مضاف وهو ظاهر في العموم الافرادي كذا قالوا ويشكل الأخير ببقاء الاشكال على تقديره إذ لا يصدق مخالفة كل أمر إلا مع مخالفة الجميع إلا أن يراد به العموم البدلي وهو بعيد والتحقيق أن المصدر المضاف لا يفيد العموم بنفسه بشئ من الاعتبارين فالمعتمد هو الوجه الأول ويمكن أن يقال أيضا بأن الآية بحسب مفاهم العرف في قوة قولنا فليحذروا عن مخالفة أمره إما بتعليق الظرف المذكور بجملة فليحذر فيكون التقدير فليحذر الذين يخالفون أمره أي يريدون مخالفته أو أشرفوا على مخالفة أمره أو بتقدير عن مخالفة أمره فيكون جملة أن تصيبهم منصوبا على التعليل فيدل على وجوب الحذر عن مخالفة جنس أمره على حد غيره من المفردات المضافة فيعم الحكم مخالفة كل أمر لان الحذر عن الجنس إنما يتحقق بالحذر عن جميع أفراده نعم لقائل أن يقول لا نسلم أن المراد بالامر هنا نفس الصيغة بل الطلب الإلزامي كما هو معناه اللغوي والعرفي على ما مر وعلى تقدير التنزل فلا أقل من احتمال ذلك وهو كاف في نقض الاستدلال اللهم إلا أن يتمسك في دفعه بأن مدلول الصيغة المجردة عن القرائن الصادرة عن العالي يسمى في العرف واللغة أمرا وإثبات هذا القدر لا يتوقف على إثبات كون الامر أو صيغته للوجوب وأيضا المخالفة إنما تتعدى بنفسها وتعديتها بعن يقتضي تضمينها معنى الاعراض والمنع عن المخالفة على وجه الاعراض و التنفر وعدم المبالاة لا يقتضي المنع عن المخالفة بدون ذلك وما يقال في دفعه من أخذ الاعراض واعتباره إنما هو لمجرد المحافظة على القاعدة النحوية وأنه لا يلزم من ذلك اعتباره في المعنى المراد فجدير بالاعراض عنه نعم لا يبعد أن يقال تعدية المخالفة بعن
صفحة ٦٦