واحترز عنه في الحد بإضافة الأصل إلى ضمير اللفظ وقد أشكل على هذا الحد بلزوم الدور حيث إن معرفة الأصل متوقفة على معرفة الاشتقاق وهو المقصود بمعرفة المشتق إذ الكلام في معرفة من حيث الاشتقاق فتكلف بعضهم في دفعه بأن المراد بالأصل إنما هو الأصل الجزئي فكأنه قيل ما وافق جزئيا من جزئيات الأصل معرفته إنما تتوقف على معرفة الاشتقاق الجزئي وهو غير مقصود بالتعريف وإنما المقصود تعريف ماهية الاشتقاق وفساده ظاهر لان جزئي الأصل إنما اعتبر في الحد باعتبار كونه جزئي الأصل حيث عنون به فيتوقف على معرفة ماهيته فيلزم الدور وأيضا إذا توقف معرفة الأصل الجزئي على معرفة الاشتقاق الجزئي فمعرفة الاشتقاق الجزئي تتوقف على معرفة اشتقاق الكلي ضرورة أن معرفة الأصل الجزئي إنما يتوقف على معرفة الاشتقاق الجزئي من حيث كونه اشتقاقا جزئيا فإذا توقف معرفة الاشتقاق الكلي على معرفة الأصل الجزئي لزم الدور وأيضا الغرض من تعريف ماهية الاشتقاق إنما هو التوصل بمعرفتها إلى معرفة جزئياتها فإذا توقف معرفة جزئيات الأصل المأخوذ في تعريفها على معرفة جزئيات الاشتقاق لزم الدور ويمكن أن يجاب بأن هذا الحد تعريف لفظي لمن عرف معنى الأصل والفرع وجهل مدلول لفظ المشتق والاشتقاق والتحقيق أن يجاب بأن المراد بالمشتق المبحوث عنه هنا هو المشتق بالاشتقاق الصغير كما نبهنا عليه وما يتوقف عليه معرفة الأصل والفرع هو معرفة الاشتقاق بالمعنى الأعم فلا يلزم الدور وقولنا بأصول حروفه احتراز عن المشتق بالاشتقاق الأكبر كثلم وثلب وعن دخول مثل الاستعجال والاستخراج حيث يتوافقان في الحروف الزوائد وعن خروج مثل الخروج والاستخراج حيث لا يتوافقان في الحروف الزوائد وقولنا أو حكما لدخول نحو قول وقال فإن الألف المقلوبة عن الواو في الاعلال مثلا واو حكما وكذلك عد من الوعد فإن الفاء المحذوفة بحكم المذكور وقولنا مع مناسبة المعنى احتراز عن مثل أضرب بمعنى أعرض بالنسبة إلى الضرب بمعناه المعروف وهو يتناول ما إذا اتحد المعنى فيهما كالقتل والمقتل وقد يخرج ذلك عن حد المشتق ويعتبر مخالفة ما بينهما في المعنى نظرا إلى عدم فائدة في الاشتقاق بدونها واختلف سواء كان بالزيادة كضرب من الضرب أو بالنقص كضرب من ضرب على ما يراه الكوفيون وقولنا مع موافقة الترتيب احتراز عن المشتق بالاشتقاق الكبير فإنه وإن اشتمل على الحروف الأصلية لكنه لا يشتمل على ترتيبه والمراد به ما يتناول الترتيب الحقيقي كما مر والحكمي كقه من الوقاية وقد يدخل في المشتق المعدول وهو ما خرج عن صيغته الأصلية والفرق بينه وبين غيره من أنواع المشتق أن صيغته مأخوذة من صيغة أخرى على أن الأصل بقاؤه عليها بخلاف بقية المشتقات فإنها غير مأخوذة من مباديها على أن يكون الأصل بقاءها عليها واعلم أنه لا بد في الاشتقاق من تغيير في اللفظ تحقيقا لمعنى الأصلية والفرعية وذلك إما بزيادة حرف أو حركة أو نقصان أحدهما أو بالمركب منهما ثنائيا أو ثلاثيا أو رباعيا فيرتقي الأقسام إلى خمسة عشر قسما وينبغي أن يراد بالتغيير ما يعم التغيير الحقيقي و الحكمي ليدخل فيه نحو فلك مفردا وجمعا ثم البحث عن المشتق هنا ليس من حيث الاشتقاق وكيفيته فإنه موكول إلى فن الصرف ولا من حيث مفاد مبدئه فإنه محال إلى كتب اللغة بل البحث هنا في صدقه ومفاده من حيث الاشتقاق والكلام فيه في موارد يرد عليك تفضيلها ثم اعلم أنهم أرادوا بالمشتق الذي تشاجروا على دلالته في المقام اسم الفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة وما يلحق بها على ما سنحققه ولا بأس بالتنبيه على مدلول بواقي المشتقات فمنها الفعل الماضي المتصرف وهو حقيقة في قيام المبدأ بفاعله في الزمان الماضي إما بالنسبة إلى حال النطق وذلك إذا وقع مطلقا كضرب أو بالنسبة إلى غيرها إن اعتبر المضي بالنسبة إليه كما في قولك سيجئ زيد وقد أكرم أباك وقس على ذلك الحال في الحال و الاستقبال وخرج بتقييده بالمتصرف نحو عسى ونعم وبئس إذ لا دلالة لها على زمان أصلا وإن كانت تدل عليها في أصل الوضع على ما زعمه النحاة حيث حافظوا بالتزامه على عكس حد الفعل وطرد حد الاسم ومنها الفعل المستقبل وهو حقيقة في قيام المبدأ بفاعله في الحال أعني أوائل زمان الاستقبال أو الاستقبال وهي ما بعدها كما عرفت على الاشتراك اللفظي أو المعنوي والثاني أظهر على ما يساعد عليه الاعتبار نحو أكرمك الان أو غدا وكان زيد يكرم أباك و قيل حقيقة في الاستقبال مجاز في الحال وفسر الحال بأواخر زمان الماضي وأوائل زمان الاستقبال وقد يقترن بلم ولما فيختص بالماضي كما أن الماضي قد يقترن بأدوات الشرط فيختص بالاستقبال غالبا وظاهر كلامهم أن استعمالهما مجاز حينئذ وكان الذوق لا يساعد على ذلك وأما استعمال كل منهما بمعنى الاخر في غير ذلك فمجاز قطعا لنصهم عليه مع شهادة الاستعمال به ومنها فعل الأمر والنهي وسيأتي تحقيق الكلام فيهما ومنها اسم المفعول وهو حقيقة في الذات التي وقع عليها المبدأ في الحال كما أنه مجاز في الذات التي يقع عليها المبدأ في الاستقبال ثم قد يطلق و يتبادر منه ما يعم الحال والماضي كقولك هذا مقتول زيد أو مصنوعه أو مكتوبه وقد يختص بالحال نحو هذا مملوك زيد أو مسكونه أو مقدوره ومنه دابة مسرجة وديار مزخرفة وأوراق منشورة ولم نقف فيه على ضابطة كلية فالمرجع فيه إلى العرف و يعرف بعض الكلام هنا بالمقايسة إلى ما سيأتي في اسم الفاعل ومنها اسم الزمان وهو حقيقة في الزمن الذي وجد فيه المبدأ ومجاز في غيره ومنه إطلاقه على يوم يشابهه من أيام السنة كقولهم مقتل الحسين عليه السلام ليوم عاشوراء ولا يعتبر الاستيعاب بل يكفي وجود المبدأ فيه ولو في بعض أجزائه ومنها اسم المكان وهو حقيقة في المكان الذي حصل فيه المبدأ والمرجع فيه إلى العرف والكلام فيه كالكلام في سابقه ومنها اسم الآلة وهو حقيقة فيما أعد للآلية أو اختص بها سواء حصل به المبدأ أو لم يحصل ومنها صيغة المبالغة و هي حقيقة في الذات التي كثر اتصافها بالمبدأ عرفا وذلك يختلف باختلاف المبادي ولا يعتبر الاتصاف حال النطق ويظهر من بعضهم دخول ذلك في محل النزاع الآتي وهو بعيد فصل إطلاق المشتق على الذات المتصفة بمبدئه في الحال حقيقة اتفاقا كما أن إطلاقه على ما يتصف به في الاستقبال مجاز اتفاقا وفي إطلاقه على ما اتصف به في الماضي أقوال ثالثها حقيقة إن كان مما لا يمكن بقاؤه وإلا فمجاز ورابعها حقيقة إن كان الاتصاف أكثريا بحيث لا يعتد بما يطرأ عليها من عدم الاتصاف مع عدم الاعراض
صفحة ٥٩