في التكليف واشتراطه به ولو نقل فإما بالتواتر ولم يقع قطعا وإلا لما وقع الخلاف فيه وإما بالآحاد وهو لا يفيد القطع على أن العادة في مثله تقتضي وقوع التواتر لا يقال إن أريد بتفهيمها إياهم تفهيم المعاني المنقولة من حيث كونها منقولة كما هو الظاهر منعنا الملازمة إذ لا نسلم أن التفهيم بهذه الحيثية شرط التكليف وإن أريد تفهيم المعاني من غير ملاحظة حيثية فلا نسلم بطلان التالي ضرورة بثبوت التفهيم كذلك ووقوع النقل إلينا بالتواتر لأنا نقول المراد هو الوجه الأول والدليل على اعتبار الحيثية أنه لو لم يقع التفهيم كذلك لانتفى فائدة الوضع وكأنهم تركوا هذه المقدمة تعويلا على ظهورها والجواب منع الملازمة الثانية إن أريد نقل النقل إلينا إذ الشركة في التكليف لا تقتضي إلا بيان المراد وهو يمكن بذكر القرينة ولا حاجة إلى التصريح بالنقل وإن أريد نقل المراد فبطلان التالي ممنوع لا يقال لا فائدة في منع الملازمة إذ على تقدير عدم نقلهم لا يكون لنا سبيل إلى إثبات النقل فيتم ما أراده النافي لأنا نقول غرض النافي على ما يرشد إليه كلامه إقامة الدليل على عدم الوقوع لا بيان عدم الدليل على الوقوع ففي المنع المذكور نقض لدعواه ولا يلزم من منع الملازمة نفي أحد الطرفين لجواز صدق الاتفاقية مع أن أدلة المثبتين لا تختص بالنقل فنفيه لا يقتضي القدح في قولهم هذا مع أن الدليل المذكور مبني على مقدمات أخر ممنوع لان مخالفة قوم لا يقتضي نفي التواتر عند آخرين وعدم إفادة نقل الآحاد للقطع لا يخرجها عن الحجية لما عرفت من أن المدار في مباحث اللغة على الظن غالبا وقولهم العادة تقتضي في مثله التواتر ممنوع لظهور المراد غالبا في الخطابات الشرعية فلا يكون في نقل النقل على تقدير وقوعه كثير فائدة الثالث أن هذه الألفاظ لو كانت منقولة في الشرع لزم خروج القرآن عن كونه عربيا والتالي باطل فكذا المقدم بيان الملازمة أن هذه الألفاظ لم يضعها واضع لغة العرب بإزاء هذه المعاني فلا تكون عربية وقد اشتمل القرآن عليها فلا يكون عربيا لان ما بعضه عربي وبعضه غير عربي لا يكون كله عربيا وأما بطلان التالي فلقوله تعالى إنا أنزلناه قرآنا عربيا والجواب أن العربي أعم مما وضعه واضع لغة العرب أو وضعه غيره ليستعمل في لغته وكذا الكلام في صدق سائر اللغات ولهذا تجدهم يعدون منقولات كل لغة منها سلمنا لكن نمنع كون الناقل لها في الشرع والواضع للغة العرب غيره تعالى سلمنا لكن بطلان التالي ممنوع ولا ينافيه وصف القرآن بكونه عربيا لان المراد أن أسلوبه عربي لا أن جميع ألفاظه عربية لاشتماله على ألفاظ معربة كسجيل ومشكاة وعلى أعلام لم يضعها واضع لغة العرب كإبراهيم و إسماعيل وزيد ويمكن أن يجاب أيضا بمنع الملازمة إذ على تقدير النقل لا يوجب أن يكون استعمالها في القرآن حقيقة تبعا لأوضاعها الشرعية بل يجوز أن يكون مجازات تبعا لأوضاعها اللغوية فإن المجازات الحادثة عربية قطعا لكن ينتفي معه ثمرة النزاع بالنسبة إلى استعمالاته تعالى وأجاب العضدي وغيره بأنا لا نسلم أنها لا تكون حينئذ عربية كيف وقد وضعها الشارع لها حقائق شرعية مجازات لغوية والمجازات المستحدثة عربية وإن لم يصرح العرب ب آحادها و كلامهم هذا يقتضي أن تكون استعمالات الشارع لها حقائق ومجازات باعتبارين فتدخل في العربية باعتبار كونه مجازات وإن خرجت عنها باعتبار كونها حقائق وهو بمعزل عن التحقيق لان المجاز على ما مر تحقيقه عبارة عن استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة فاستعمال الشارع لها بعد النقل إن كان بالنقل فهو حقيقة شرعية لا غير وإن كان بالعلاقة فهو مجاز لغوي لا غير وإن أريد أن الشارع قد اعتبر كلا الامرين في استعماله فهو مع بعده عن الأنظار السليمة يتضمن إسناد عبث إلى الشارع تعالى عنه لان في التعويل على أحد الامرين غنية عن اعتبار الاخر وليس في اعتبارهما معا تأكيد للدلالة أو لصحة الاستعمال إن لم نقل بأن فيه وهنا لذلك لعدم مساعدة الطريقة الجارية بين أهل الاستعمال عليه و الظاهر من طريقة الأكثرين أن بين وصفي الحقيقة والمجاز تضادا و تنافيا فيمتنع اجتماعهما في استعمال واحد وقد يمنع بطلان التالي و يجعل الضمير للسورة ولو بتأويل المذكور والمقروء واعترض حينئذ بأنه قد أطلق عليه القرآن والسورة ليست قرآنا إذ يصدق عليها أنها بعضه وبعض الشئ غير الشئ وأجيب تارة بأن القرآن موضوع للقدر المشترك بين الكل والجز بدليل وقوع الحنث إذا حلف أن لا يقرأ القرآن فقرأ بعضه فيصدق على المجموع وعلى الابعاض كلفظ الماء فيصدق أن السورة قرآن وبعض القرآن بالاعتبارين كما يصدق على ماء النهر أنه ماء وبعض الماء باعتبارين وأخرى بأن القرآن موضوع للقدر المشترك وأخرى للمجموع من حيث المجموع فيصدق أن السورة قرآن بالاعتبار الأول وبعضه بالاعتبار الثاني من غير حاجة إلى اعتبار زائد وهذا الجواب ضعيف لان لفظ القرآن موضوع للمجموع فقط كأسماء سائر الكتب كما يشهد به التبادر ولا ينافيه صدق قرأته عرفا بقراءة بعضه لصدق قراءة السورة والآية بقراءة أبعاضها أيضا مع أنهما موضوعتان للمجموع فقط بل هذه مسامحة عرفية في التعليق مرجعها إلى التنزيل تعلق الفعل بالبعض منزلة تعلقه بالكل وهذا لا يختص بالمقام بل له نظائر كثيرة مع أنه إن أريد بالسورة ما فيها هذا اللفظ فالاشكال وارد باعتباره أيضا وإن أريد غيرها فبعيد عن مساق الآية نعم لو أجيب بحمل القرآن على معناه اللغوي استقام ولم يتجه عليه الاشكالان ويمكن حمل كلام المجيب عليه بتكلف تتمة يظهر الثمرة بين القول بثبوت الحقيقة الشرعية بالوضع التعييني وبين القول بالنفي مطلقا فيما إذا أردت تلك الألفاظ في كلام الشارع مجردة عن القرينة فإنها تحمل على معانيها الشرعية بناء على الأول و على معانيها اللغوية بناء على الثاني لما تقدم من أن كل لفظ اصطلحه المتكلم في معنى فحيثما أورد في كلامه حمل على مصطلحه قضاء لحق التبادر وهذا إنما يتم إذا ثبت تأخر الاستعمال عن زمن النقل ويمكن إثباته حيث لا شاهد عليه بالخصوص بدلالة الغالب عليه إن تم وبأصالة التأخر على ما سيأتي وهذه الثمرة جارية أيضا بين القول بالوضع التعيني والقول بالنفي مطلقا عند العلم بتأخر زمن الاستعمال عن زمن النقل وأما عند الجهل به كما هو الغالب فقد قطع بعض محققي المتأخرين بعدم الحكم
صفحة ٤٥