وإن كان معنى مجازيا كان مجازا فقولنا زيد كثير الرماد جملة خبرية إن استعملت في معناها الحقيقي بأن قصد بها الاخبار عن كثرة الرماد حقيقة لينتقل منه إلى لازم معناه أعني كونه جوادا كان اللفظ لا محالة لأنه لم يستعمل حينئذ إلا فيما وضع له وقصد الانتقال منه إلى لازمه غير مخل بذلك وإن استعملت في صورة معناها بأن قصد بها صورة الاخبار عن كثرة رماده لينتقل منه إلى لازمه لزم التجوز في الاسناد لأنه لم يوضع لصورة الاخبار بل لحقيقته فيكون اللفظ باعتباره مجازا وعلى التقديرين تكون الكناية في المركب و يمكن أن يجعل المحمول حقيقة في المثال المذكور هو الجواد المدلول عليه بذكر ملزومه ولفظ كثير الرماد وإن كان محمولا عليه بحسب الظاهر لكن إنما جي به لينتقل منه إلى المحمول الحقيقي أعني الجواد فيحمل عليه فتكون الكناية في المفرد أعني المحمول و على التقادير يكون اللفظ مستعملا في الملزوم للانتقال إلى اللازم فكل منهما مراد منه لكن أحدهما بلا واسطة والاخر بواسطة وأما لو استعمل كثير الرماد في الجواد نظرا إلى علاقة اللزوم كان مجازا مرسلا قطعا كما مر الثاني أن يستعمل اللفظ في لازم معناه بقرينة خفية وأمارة ضعيفة في موارد يتسامح فيها في الدلالة ويكتفي فيها بمجرد الايهام والإشارة حتى إن المستعمل حينئذ قد تدعوه الحاجة إلى الانكار فينكر إرادة اللازم ويمنع السامع من التسامح في تنزيل كلامه ولو فسر الكناية بهذا الوجه أمكن الفرق بينها وبين المجاز بحسب الاصطلاح باشتراط الصراحة في قرينته أو الظهور المعتد به ويصح تثليث الأقسام بالنسبة إلى علم البيان لتعلق القصد فيه ببيان مطلق الدلالة وتثنيتها بالنسبة إلى هذا العلم إذ لا عبرة في مقام الاستدلال بمثل تلك الدلالة الثالث أن يستعمل اللفظ في معناه أو في لازمه مع نصب أمارة موجبة لتردد السامع بينهما تنبيها على أن إرادة كل منهما مناسب للمقام وهذا في غير المشترك إنما يتم على القول بأن قرينة المجاز قد تكافؤ ظهور الحقيقة بحيث يحصل التردد بينهما كما ينبه عليه مصير بعضهم إلى التوقف في المجاز المشهور وأما على القول بأن عدم ظهور المجاز يوجب ظهور الحقيقة فلا يتم ذلك الرابع أن يستعمل اللفظ في أحد معانيه المتكافئة في الظهور حقيقية كانت أو مجازية أو مختلفة وينبه بقرينة خفية يعول عليها في مقام التسامح قصدا إلى التمكن من الانكار مع الحاجة الخامس أن يستعمل اللفظ ويراد به أحد معانيه الحقيقية أو المجازية وينبه بقرينة حالية أو مقالية على أن المعنى الاخر أيضا مناسب للمقام وهذا النوع متداول في الاستعمال هذا وأما ما ذكروه من أن لفظ الكناية مستعمل في اللازم مع الملزوم أو مع جواز إرادته معه فمبني على القول بجواز استعمال اللفظ في معنييه وهو باطل عندنا على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى وأما الفرق بينها وبين المجاز بوجود القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة فيه دونها فغير مستقيم لان القرائن التي توجد في المجاز غالبا إنما تساعد على إرادته دون نفي إرادة الحقيقة أ لا ترى أنهم يمثلون المجاز بنحو رأيت أسدا يرمي أو في الحمام مع أن القرينة المذكورة لا تنافي إرادة الحقيقة أيضا بدليل صحة عطف قولنا و يفترس على الأول وفي الآجام على الثاني تذنيب الحق أن النسبة الخبرية اللفظية موضوعة بإزاء النسبة الذهنية المأخوذة من حيث كشفها عن الواقع وإراءتها له سواء طابقته أو لا علم بها أو لا بشهادة التبادر وليست موضوعة لنفس النسبة الواقعية وإلا لزم أن لا يكون لها في الاخبار الكاذبة معنى لانتفاء النسبة الواقعية وليس في صحة السلب دلالة عليه ولا لنفس النسبة مجردة عن اعتبار المطابقة للواقع وإلا لما دلت عليها وضعا ولا لها من حيث مطابقتها للاعتقاد فقط أو مع الواقع لما مر من قضية التبادر نعم تدل على المطابقة للاعتقاد بالالتزام فاعلم أيضا أن من المصادر ما معناه الايجاد والابداع كالخلق والانبات ومنها ما معناه التسبب الاعدادي ولو بوجه مخصوص كالولادة والايلاد ومنها ما معناه القبول والاتصاف كالطلوع والاصفراء ومنها ما معناه الأعم ولو بحسب بعض الأقسام كالسرور حيث يشترك بين القسمين الأولين فيختلف ما يتعلق إسناد هذه المصادر وما يشتق منها بحسب اختلافها في هذه المعاني فإن المسند إليه الحقيقي في القسم الأول هو الفاعل الموجد وفي الثاني السبب المعد وفي الثالث المتصف و القابل وهكذا ولعدم فرق بين هذه الأقسام توهموا أن إسناد السرور إلى الرؤية في قولك سرني رؤيتك والطلوع إلى الشمس في قولك طلعت الشمس مجاز عقلي كإسناد الانبات إلى الربيع ومنشؤه عدم الفرق بين الفعل والفاعل باعتبار معناهما اللغوي وبينهما باعتبار معناهما الاصطلاحي فإن الفعل الاصطلاحي قد لا يكون مدلوله فعلا لغويا بل غيره كأن يكون انفعالا فيكون فاعله الاصطلاحي حقيقة ما يكون قابله دون فاعله اللغوي وهكذا ثم اعلم أن في مثل قولهم أنبت الربيع البقل وجوها أحدها أن ينزل الربيع منزلة الفاعل و يدل عليه بإثبات بعض لوازمه من إسناد الانبات إليه فيكون الربيع حينئذ استعارة بالكناية ويكون الانبات أو إسناده إليه استعارة تخيلية ولا تجوز حينئذ فيه أما في طرفي الاسناد فظاهر وأما في الاسناد فلان المراد به معناه الحقيقي على ما مر ولا يلزم الكذب لابتنائه على التأويل في أحد طرفيه بخلاف الكذب فإنه لا يبتني على التأويل الثاني أن يكون إسناد الانبات إليه مبنيا على دعوى كونه فاعلا له نظرا إلى كونه سببا إعداديا له وحينئذ يكون المجاز عقليا حيث أعطي ما ليس بفاعل حكم الفاعل وأثره وأقيم مقامه و الفرق بين هذا الوجه والوجه المتقدم أنه لا تأويل هنا في نفس الربيع بخلاف الوجه السابق الثالث أن ينزل تسببه الاعدادي منزلة التسبب الفاعلي فيعبر عنه باللفظ الدال عليه وحينئذ يكون الاسناد مجازا لغويا لأنه غير موضوع في مثل أنبت للتعلق بالسبب الاعدادي بل الفاعلي هكذا ينبغي تحقيق المقام فصل لا ريب في أن اللفظ بعد الوضع وقبل الاستعمال لا يسمى حقيقة كما لا يسمى مجازا لما عرفت من أنهما من نوع المستعمل ثم الحقيقة
صفحة ٢٩