مقدمة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله الذي أرشدنا إلى معالم الشريعة ومعارج اليقين ونور قلوبنا بزبدة من لوامع تمهيد قواعد الدين ووفقنا التحصيل حاصل القوانين الممهدة لايضاح مدارك شرعه المبين والصلاة والسلام على من اصطفاه واختاره على العالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين إلى يوم الدين أما بعد فيقول المفتقر إلى رحمة ربه الكريم محمد حسين بن محمد رحيم غفر الله ذنوبهما وحشرهما مع محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين إنه لما ساعدني سواعد التوفيقات الإلهية والتأييدات الربانية على السلوك في المسالك العلمية وتحصيل المعارف الدينية من العقلية والنقلية ورأيت أن أكثرها قد رأوا أجلها خطرا بعد العلم الموسوم بعلم الكلام علم الفقه المتكفل لبيان الاحكام الكاشف عن معضلات مسائل الحلال والحرام ووجدت مسائله مستمدة من علم الأصول مستندة إليه في الرد والقبول ولم أجد فيه من علمائنا الصالحين من المتقدمين والمتأخرين رضوان الله عليهم أجمعين ولا غيرهم من الفحول والمحققين مصنفات يشفي العليل ويروي الغليل مع ما أكثروا فيه من التصنيف والتأليف وأوردوا فيها من التوجيه والترنيف فكم من تحقيق مقام تركوه وتوضيح مرام أهملوه صرفت جهدي في تصنيف كتاب يحتوي على معظم تحقيقاته ويشتمل على جل مهماته وفتح مغلقاته فأوردت فيه تحقيقات بلغ إليها نظري و ذكرت فيه تنبيهات عثر عليها فكري مما لم يسبقني إليها أحد غيري وحررتها بعبارات وافية وبيانات شافية محترزا عن الاطناب الممل و الاختصار المخل موردا لما أورده من الرد والايراد مبينا لما فيه من وجه ضعف أو فساد وحيث التمسني عند أخذي في تصنيف هذا الكتاب بعض الأصحاب من أخلائي المؤمنين وأصدقائي الصالحين أن أتعرض في طي تحريره لمناقشات تتجه عندي على كتاب القوانين وهو المصنف المحقق المدقق الفاضل الكامل التقي الصفي من فضلائنا المعاصرين أجبت ملتمسه بإنجاح مسؤوله وأسعفت مرامه بنيل مأموله فتعرضت لما خطر ببالي الفاتر وأوردت لما ورد في فكري القاصر معبرا عنه ببعض المعاصرين وبالفاضل المعاصر ناقلا لكلامه غالبا بالمعنى موردا له بعبارة وجيزة أوفي ومع ذلك فالناظر إذا أقدم ميدان الرقم لا يتمالك عنان القلم فاعذروني إن أكثرت عن الرد والايراد أو صرحت بالضعف والفساد ولا ترموا على ذلك بالشنع فإن الحق أحق بأن يبدي فيتبع وسميته بالفصول الغروية في الأصول الفقهية وسلكت في ترتيبه مسلك المتأخرين لأنه أقرب إلى طباع الناظرين ورتبته على مقدمة ومقالات وخاتمة و المسؤول من الله الملك الوهاب أن يعصمني فيه من الزلل و يرشدني إلى الصواب ويجعله خالصا لوجهه الكريم فإنه على من رجاه عطوف رحيم أما المقدمة ففي تعريف العلم وبيان موضوعه وذكر نبذة من مباديه اللغوية وربما يذكر فيها بعض مباحث المقاصد استطرادا وأما وجه الحاجة إليه فسيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى القول في تعريفه لأصول الفقه معنيان تركيبي إضافي وأفرادي علمي وقد جرى دأب القوم بالبحث عن حده بالاعتبارين وظاهر مقالة كثير منهم يؤذن بدعوى التطابق بين المعنيين وبه صرح بعضهم مع احتمال أن يكون الغرض من إيراد المعنى الأول بيان المناسبة المصححة للنقل في الثاني فأما معناه التركيبي، فبيانه مبني على بيان أجزائه فنقول الأصول جمع الأصل وهو في اللغة ما يبتني عليه الشئ صرح به جماعة من علماء الأصول وكان هذا مراد من فسره بأسفل الشئ ومن فسره بالقاعدة التي لو توهمت مرتفعة لارتفع الشئ بارتفاعها وقد يطلق ويراد به معنى السابق فيؤخذ تارة باعتبار الحقيقة كقولك أصل الانسان التراب وأصل الخزف الطين يعنى حقيقته السابقة و أخرى باعتبار الأحوال والصفات كقولك هذا في الأصل بغدادي و هذا الأسود كان في الأصل أبيض يعنى في السابق وليس مبنيا على المعنى السابق إذ لا يفهم منه هنا معنى البناء أصلا وإن كان حاصلا في قسمه الأول فهو إما حقيقة بالاشتراك أو مجاز لوجود العلاقة و في الاصطلاح يطلق غالبا على أحد المعاني الأربعة وهو الراجح و الاستصحاب والقاعدة والدليل والمناسب من معانيه للمقام إما المعنى اللغوي أو الأخيران من معانيه الاصطلاحية كما سيتضح لك إن شاء الله والفقه في اللغة الفهم صرح به الجوهري وغيره وفسره الرازي بفهم غرض المتكلم من كلامه واحترز به عن فهم غيره وفهمه بغير كلامه وفسره بعضهم بفهم الأشياء الدقيقة واحترز به عن فهم غيرها والمعروف هو الأول ثم الفهم هو الادراك وكأن هذا مراد من فسره بأنه هيئة للنفس بها يتحقق معاني ما تحس وقيل هو جودة الذهن من حيث استعداده لاكتساب
صفحة ١