فصول في الثقافة والأدب
الناشر
دار المنارة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
مكان النشر
جدة - المملكة العربية السعودية
تصانيف
اليوم أخبارًا تصوّر المجتمع الإسلامي منصرفًا إلى اللهو غارقًا في الفسوق، إن كتابًا كهذا من حقه أن نتكلم عنه في هذه الأحاديث، بيانًا لحقيقته وتوضيحًا لحال مؤلفه.
أبو الفرج الأصفهاني عربي أموي صحيح النسب، وإن كان منسوبًا إلى أصفهان، المدينة الفارسية. وكثير من المنسوبين اسمًا إلى بلدان فارس كانوا عربًا خُلَّصًا من سلائل القبائل التي استقرت في تلك البلاد بعد الفتح. ومن أعجب العجب أن أبا الفرج كان أمويًا وكان يتشيّع! وما أعرف الأموية اجتمعت مع التشيّع في أحد قبله ولا في أحد بعده.
وكان الرجل رقيق الدين سيّئ السيرة، يعطي نفسه هواها وينغمس في المعاصي. وكان وسخ الثوب، قذر الهيئة، بذيء اللسان، ولكنه كان -مع هذا كله- آية في سعة الحفظ وكثرة الرواية، عارفًا بأكثر العلوم، كاتبًا ناقدًا موسيقيًا شاعرًا، يحسن الوصف وإن كان الغالب عليه الهجاء.
أما كتاب «الأغاني»، فإن من أراد متعة الأدب، وطلب جيد الشعر، وأراد الإحاطة بأخبار الشعراء والمغنّين، للّذة الأدبية وتقوية الملَكة البيانية، فلا يجد كتابًا أجمع لهذا كله منه. وما منّا إلا مَن كان «الأغاني» عُدّته الأولى في إقامة اللسان وتجويد البيان. ولقد قرأته كله (وهو بضعة وعشرون جزءًا) ثلاث مرات، واستفدت منه في الأدب واللغة ما لم أستفِد مثلَه من غيره.
كل هذا صحيح، أما أن يكون كتاب دين تؤخَذ منه أحاديث رسول الله ﷺ، كما يفعل هؤلاء الأدباء الكبار المعروفون، أو أن
1 / 102