كلمة المؤلف
مقام إيران في تاريخ الفنون
الطرز الإيرانية في الفن الإسلامي
العمارة
فنون الكتاب
التصوير
التجليد
السجاد
الخزف
المنسوجات
صفحة غير معروفة
التحف المعدنية
الزجاج والخشب
العناصر الزخرفية الإيرانية في العصر الإسلامي
تأثير الفن الإيراني الإسلامي على الفنون الأخرى
خاتمة
المراجع
اللوحات
كلمة المؤلف
مقام إيران في تاريخ الفنون
الطرز الإيرانية في الفن الإسلامي
صفحة غير معروفة
العمارة
فنون الكتاب
التصوير
التجليد
السجاد
الخزف
المنسوجات
التحف المعدنية
الزجاج والخشب
العناصر الزخرفية الإيرانية في العصر الإسلامي
صفحة غير معروفة
تأثير الفن الإيراني الإسلامي على الفنون الأخرى
خاتمة
المراجع
اللوحات
الفنون الإيرانية في العصر الإسلامي
الفنون الإيرانية في العصر الإسلامي
تأليف
زكي محمد حسن
إن المباني والمصانع في الملة الإسلامية قليلة بالنسبة إلى قدرتها وإلى من كان قبلها من الدول ... فلما استخدم العرب أمة الفرس، وأخذوا عنهم الصنائع والمباني، ودعتهم إليها أحوال الدعة والترف، فحينئذ شيدوا المباني والمصانع.
ابن خلدون
صفحة غير معروفة
كلمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد، فهذا كتاب ألقيت بعض مباحثه في محاضرات لطلاب معهد الآثار الإسلامية بجامعة فؤاد الأول، وأعددت بعضها في مناسبة معارض الفن الإيراني التي أقيمت في السنين الأخيرة بلندن ولينينغراد والقاهرة وباريس، ثم كتبت بعضها الآخر، لينتظم عقدها، وليصبح في لغتنا العربية كتاب يكشف عن بدائع الفن الإيراني وعبقرية الإيرانيين في العمارة والرسوم والزخارف والصناعات الفنية الدقيقة.
وقد كان أصحاب الفكرة الأولى في إخراج هذا الكتاب زملائي أعضاء اتحاد أساتذة الرسم، وعلى رأسهم صاحب العزة أحمد شفيق زاهر بك، فلهم مني وافر الشكر.
وتفضل حضرة صاحب السعادة الدكتور علي باشا إبراهيم فسهل لي دراسة التحف الإيرانية في مجموعته الثمينة، ونفعني بآرائه وخبرته. وإني لأرجو أن أكون قد أديت له - بتأليف هذا الكتاب في الفنون التي يحبها - بعض ما له علي من حق.
ويسرني أن أشكر الأستاذ فييت مدير دار الآثار العربية، لقيام الدار بنشر الكتاب، ولأنه ساعدني في قراءة «التجارب» وعني بذلك أدق عناية.
ولا يفوتني أن أذكر بالحمد والثناء حضرة الأستاذ إبراهيم جمعة، لخريطة إيران التي أعدها لي، وحضرة محمد نديم أفندي ملاحظ مطبعة دار الكتب، لجهوده وجهود معاونيه في إخراج هذا الكتاب.
زكي محمد حسن
القاهرة في 20 ذي الحجة سنة 1358/30 يناير سنة 1940
بيان عن الأسرات التي حكمت إيران.
صفحة غير معروفة
الدولة الكيانية
559-331ق.م
الإسكندر المقدوني وخلفاؤه
330-248ق.م
البارثيون
250ق.م-226 ميلادية
الساسانيون
226-641 ميلادية
الخلفاء الأمويون
41-132ه/661-750 ميلادية
صفحة غير معروفة
الخلفاء العباسيون
132-656ه/750-1258 ميلادية
الدولة السامانية
261-389ه/874-999 ميلادية
دولة بني بويه
320-448ه/932-1056 ميلادية
الدولة الغزنوية
351-582ه/962-1186 ميلادية
دولة السلاجقة
429-700ه/1037-1300 ميلادية
صفحة غير معروفة
دولة ملوك خوارزم
470-617ه/1077-1220 ميلادية
المغول (الأسرة الإيلخانية)
656-736ه/1258-1336 ميلادية
الجلائريون (في العراق)
736-814ه/1336-1411 ميلادية
الدولة المظفرية (في مقاطعتي فارس وكرمان)
713-795ه/1313-1393 ميلادية
دولة الكرت (في هراة)
643-784ه/1245-1383 ميلادية
صفحة غير معروفة
السربداريون (في خراسان)
737-783ه/1337-1381 ميلادية
تيمورلنك وخلفاؤه
771-906ه/1369-1500 ميلادية
ذوو الخروف الأسود (قراقيونلي)
782-874ه/1380-1469 ميلادية
ذوو الخروف الأبيض (آق قيونلي)
780-908ه/1378-1502 ميلادية
الدولة الصفوية
907-1148ه/1502-1736 ميلادية
صفحة غير معروفة
ثورة الأفغان وحكمهم في أصفهان
1135-1142ه/1722-1729 ميلادية
نادر شاه والأفشاريون
1148-1210ه/1736-1796 ميلادية
الدولة الزندية
1163-1209ه/1750-1794 ميلادية
الدولة القاجارية
1193-1345ه/1779-1926 ميلادية
الأسرة البهلوية (رضا خان)
1345ه - .../1926م - ...
صفحة غير معروفة
قطعة نسيج من الحرير الإيراني في القرن 10ه/16م.
مقام إيران في تاريخ الفنون
قدر لبعض الشعوب أن يكون لها في تاريخ المدنية شأن خطير، وأن تكون في ميدان الفنون إماما ينسج الآخرون على منواله ويقتفون أثره، وعلى رأس تلك الشعوب الإغريق والإيرانيون وأهل الصين.
أما الإغريق فقد تركزت على يدهم الأساليب الفنية الكلاسيكية التي قامت على أسسها الفنون الغربية، وكذلك امتد نفوذ الأساليب الفنية الصينية في ربوع آسيا، ولم ينج من تأثيرها فن في تلك القارة المترامية الأطراف. بينما كانت إيران ملتقى الفنون القديمة في الشرق الأدنى، ونمت فيها أساليب فنية تأثرت بفنون بابل وأشور ومصر والهند وبلاد اليونان، وانتشرت في العصور القديمة والعصور الوسطى، وأثرت في فنون الأمم الأخرى.
وإنا - إذا استثنينا الفن الإغريقي القديم - لا نكاد نعرف أي فن آخر قدر له أن يمتد امتداد الفن الإيراني، بل إننا نستطيع أن نقول في ثقة واطمئنان إنه ليس هناك فن عظيم لم يأخذ عن الفن الإيراني شيئا من زخارفه أو أساليبه؛ فإن الفن المصري القديم والفنون الإغريقية والرومانية والبيزنطية والصينية والهندية، كلها مدينة للفن الإيراني ببعض أشكال التحف أو أساليب العمارة والزخرفة، أو أسرار الصناعات الفنية الدقيقة.
والواقع أن هذه العظمة الفنية في إيران وليدة السيادة في ميادين الحرب والسياسة والمدنية؛ فقد كان الإيرانيون والإغريق يقتسمون الحكم في العالم القديم حينا من الزمان. ولما فكر الإسكندر الأكبر في تأسيس إمبراطورية تضم بلاد الشرق الأدنى تحت لواء الإغريق، اتجه نظره إلى إيران ليتخذها مركز هذه الإمبراطورية؛ ولكنه مات قبل أن يظفر بتنفيذ مشروعه العظيم، بيد أن حروبه في الشرق الأدنى مهدت السبل لنشر الثقافة الإغريقية فيه؛ فأضحت إيران وأفغانستان حينا من الزمن ملتقى الأساليب الفنية الإيرانية والإغريقية والهندية، بل كان أثر الثقافة الإغريقية غالبا في الأجزاء الإغريقية من الهضبة الإيرانية، وهي الأقاليم التي كان يحكمها الأمراء الإغريق الذين آلت إليهم إمبراطورية الإسكندر.
واستولت على مقاليد الحكم في إيران منذ سنة 224 ميلادية دولة بني ساسان، ووحد ملوكها الشعب الإيراني، وقضوا السنين الطويلة في حروب ومناوشات مع الدولة البيزنطية في الغرب، والأقوام الرحل الذين كانوا يشنون الغارات على الحدود الإيرانية في الشرق أو الشمال. وبين الذين خلدتهم الآثار الفنية من الأباطرة الساسانيين شابور الأول الذي هزم الإمبراطور الروماني فالريان عند مدينة الرها سنة 260 ميلادية، فخلد الإيرانيون هذا النصر في نقوشهم المحفورة في الصخر - ولا سيما في نقش رستم على مقربة من مدينة برسبوليس ومدينة إصطخر الحالية - ورسموا القيصر الروماني راكعا أمام عاهلهم الجبار. كما خلدت الآثار الفنية اسم بهرام جور الذي سارت الركبان بحديث مهارته في الصيد فرسمه الفنانون الإيرانيون في مناظر الصيد المختلفة.
1
ولم تكن تلك الحروب الطويلة في العصر الساساني تمنع الشعب من العناية بالفنون الجميلة، بل كانت من أهم عوامل الاتصال بين الشعبين العظيمين في ذلك الحين: الإيرانيين والإغريق؛ فزاد التبادل الفني رغم أنف الفريقين، وتسرب إلى فنون بيزنطة كثير من الموضوعات الزخرفية الإيرانية، ولم تلبث هذه الموضوعات أن اندمجت في الفنون البيزنطية اندماجا تاما، ثم نقلتها أقاليم البحر الأبيض المتوسط التي كانت تابعة لبيزنطة في ذلك الحين. ويبدو ذلك واضحا في زخارف كثير من المنسوجات التي عثر عليها المنقبون عن الآثار في مصر العليا، كما يظهر أيضا في كثير من الزخارف التي استخدمت في العصر القبطي، ولا سيما الرسوم المحفورة في الحجر والخشب.
على أن الحروب الطويلة بين بيزنطة وإيران، فضلا عن الحالة الاجتماعية والدينية فيهما، أنهكت قواهما؛ فأصبحتا في بداية القرن السابع الميلادي عاجزتين عن صد تيار الجيوش العربية التي جمعتها وحدة الإسلام؛ فسقطت إيران، وفقدت استقلالها السياسي وأصبحت جزءا من الإمبراطورية الإسلامية التي أتيح للعرب تشييدها؛ كما فقدت بيزنطة مستعمراتها في الشرق الأدنى، ولم تنج بنفسها من جيوش المسلمين إلا بفضل البحر الذي كان يفصلها عنهم، والذي لم يكن العرب يحسنون ركوبه في فجر الإسلام.
صفحة غير معروفة
وقد كان الفتح الإسلامي في إيران أعمق أثرا في تاريخها من فتح الإسكندر، بل إنه أقالها من عثرتها؛ فإن زوال استقلالها السياسي لم يكن له النتيجة المنتظرة والمنطقية في اضمحلال مدنيتها وتأخر فنونها. وسبب ذلك أن العرب كانوا قوما عمرت قلوبهم بالإيمان وتحلوا بالشجاعة والإقدام؛ ولكنهم أدركوا - بما فيهم من حكمة طبيعية موروثة - أنهم في حاجة إلى معونة الإيرانيين في أنظمة الحكم والأساليب الفنية، فما كاد عصر بني أمية ينتهي بما حفل به من فتوحات وعصبية للعرب، حتى نقل العباسيون مقر الحكم إلى بغداد؛ فكان هذا إيذانا بانتصار إيران في ميدان الحياة الاجتماعية والفنية والعلمية، ولا غرو فقد قامت الدولة العباسية على أكتاف الإيرانيين في خراسان.
وسرعان ما أصبحت إيران في طليعة الأمم الإسلامية عناية بتشييد العمائر الفخمة وصناعة التحف النفيسة، ولم يكن عسيرا أن تنعقد لها الزعامة في الفنون الإسلامية؛ فإن الشعب الإيراني فنان بالفطرة، وحسبك أن تشاهد بيتا أو قصرا إيرانيا، أو ترى تحفة مصنوعة في إيران لتدرك ذلك وينكشف لك.
وقصارى القول أن تطور الفنون القديمة في الشرق الأدنى تم على يد الإيرانيين؛ فكان لهم بعد ذلك القسط الأجزل والقدح المعلى في الفنون الإسلامية. والواقع أن الترك نقلوا عنهم معظم أساليبهم الفنية، بينما العرب أنفسهم لم تكن لهم تقاليد فنية عريقة. وقد عقد ابن خلدون في مقدمته فصلا في أن «المباني والمصانع في الملة الإسلامية قليلة بالنسبة إلى قدرتها وإلى من كان قبلها من الدول»، وذكر فيه أن السبب في ذلك بداوة العرب وبعدهم عن الصنائع، وأن الدين كان أول الأمر مانعا من المغالاة في البنيان والإسراف فيه في غير القصد، «فلما بعد العهد بالدين والتحرج في أمثال هذه المقاصد، وغلبت طبيعة الملك والترف، واستخدم العرب أمة الفرس، وأخذوا عنهم الصنائع والمباني، ودعتهم إليها أحوال الدعة والترف، فحينئذ شيدوا المباني والمصانع.»
ومما ساعد على ازدهار الطرز الفنية الإيرانية أن إيران منذ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) استعادت استقلالها السياسي والثقافي، فبعثت المدن الإيرانية ونمت وترعرعت في ربوعها الآداب والفنون.
الطرز الإيرانية في الفن الإسلامي
انتشر الفن الإسلامي في الأندلس والمغرب الأقصى (مراكش) والمغرب الأدنى (الجزائر) وإفريقية (تونس)، وصقلية وطرابلس ومصر والشام وبلاد العرب، وآسيا الصغرى والبلقان وجنوبي الروسيا وبلاد الجزيرة والعراق، وإيران وبلاد ما وراء النهر وأفغانستان والهند وثمة شعوب أخرى اعتنقت الإسلام ولم ينشأ فيها فن إسلامي صحيح كشعوب الملايو وجزر الهند الشرقية والصحراء الإفريقية الكبرى والسودان.
1
وكان الأمراء المسلمون ينقلون الفنانين من بعض أنحاء الإمبراطورية الإسلامية إلى الأنحاء الأخرى، ويستدعون إلى مقر حكمهم بعض من تمتد شهرتهم من الفنانين الناشئين في سائر الأقاليم الإسلامية. وكان لهذا أكبر الأثر في تكييف الطرز المختلفة في الفنون الإسلامية والتقريب بينها وتأثير بعضها على بعض.
وكان للفروق الإقليمية والجنسية، ولنشاط الأسرات الحاكمة أثر في طبيعة الفنون الإسلامية عامة؛ فأصبح ذوو الخبرة بها يقسمونها إلى طرز أو مدارس فنية: هي الطراز الأموي في الشرق، والطراز الأموي في الغرب (الأندلس) والطراز العباسي والطراز الفاطمي والطراز السلجوقي والطراز الإيراني التتري، والطراز المملوكي والطراز الأسباني المغربي، والطراز الصفوي والطراز المغولي الهندي والطراز التركي.
وليس معنى هذا أن الفرق عظيم بين هذه الطرز أو المدارس الفنية، فهو في بعض الحالات صعب إدراكه على غير الأخصائيين، ولا سيما الفرق بين الطرز الفنية في الإقليم الواحد؛ فقد يمكن معرفة بدء الأسرات الحاكمة وتاريخ انتهائها؛ ولكن الطرز الفنية يتطور بعضها عن بعض؛ فالفصل بينها أمر وضعي واصطلاحي إلى حد كبير، وهي تتعاون ويؤثر بعضها في بعض.
صفحة غير معروفة
وقد كانت إيران ميدانا لأربعة من الطرز الإسلامية التي ذكرناها، وهي الطراز العباسي والطراز السلجوقي والطراز الإيراني المغولي أو التتري والطراز الصفوي. (1) الطراز العباسي
أما الطراز العباسي فهو الذي ساد في الأقاليم الإسلامية بعد أن انتقل مقر الحكم إلى بغداد على يد العباسيين. وكان أهم مظاهر هذا الطراز استخدام الآجر والجص في العمائر، عوضا عن الحجر الذي كانت تشيد به العمائر في الشام، وأثرت النظم المعمارية القديمة في عمارة المساجد في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)؛ فكانت الجوامع الكبيرة ذات أعمدة أو دعائم تحمل السقف مباشرة بدون عقود في بعض الأحيان، وكانت هناك مساجد ذات أعمدة خشبية.
ولعل أقدم العمائر الإسلامية التي لا تزال قائمة في إيران مسجد (نايين)، وقد شيد في القرن الرابع الهجري (القرن العاشر الميلادي)، وهو مسجد ذو صحن وبواك وزخارف جصية جميلة تشبه الزخارف الجصية في سامرا وفي الطراز الطولوني،
2
وسقف هذا الجامع ليس خشبيا مسطحا، بل مكون من قباب من الآجر.
ويمتاز الطراز العباسي في الفنون التطبيقية أو الفرعية باستخدام الموضوعات الزخرفية الساسانية، مع تهذيب بسيط يجردها في بعض الأحيان من العنف والقوة. وأكثر ما يظهر هذا في التحف المعدنية وفي المنسوجات التي كانت تصنع في العراق وإيران في القرنين الثاني والثالث بعد الهجرة (الثامن والتاسع بعد الميلاد). كما امتاز هذا الطراز بالخزف ذي البريق المعدني الذي كان يصنع في إيران والعراق ومصر وإفريقية، وسوف نفصل الكلام عن ذلك في الفصول القادمة من هذا الكتاب. (2) الطراز السلجوقي
أما الطراز السلجوقي فينسب إلى السلاجقة، وهم قبائل من التركمان الرحل، قدموا من إقليم القرغيز في آسيا الوسطى واستقروا في الهضبة الإيرانية. وكان السلاجقة من أتباع المذهب السني، وأتيح لهم منذ القرن الخامس الهجري (منتصف القرن الحادي عشر الميلادي) الاستيلاء على السلطان في الشرق الأدنى، ولكن إمبراطوريتهم الواسعة لم تلبث أن تمزقت، وآل حكمها إلى أسرات صغيرة أسسها بعض أفراد أسرتهم أو كبار قوادهم (الأتابكة)، ثم قضى عليها المغول في القرن السابع الهجري (بداية القرن الثالث عشر بعد الميلاد). وقد كان الأمراء السلاجقة يشملون الفنون برعايتهم في آسيا الصغرى والعراق وإيران، ولكن العنصر التركي الذي ينتمون إليه لم يظهر تأثيره في العمائر والتحف الفنية في عصرهم؛ لأنهم كانوا يستخدمون أبناء البلاد أنفسهم في الأقاليم الإسلامية المختلفة، ويشجعونهم بما يكلفونهم به من عمل أو يشترونه من تحف فنية. ومع ذلك كله فقد نشأ تحت رعايتهم طراز قائم بذاته امتاز بضخامة العمائر واتساعها ومظهرها القوي، كما امتاز أيضا باستخدام رسوم الكائنات الحية محورة عن الطبيعة، على النحو الذي امتازت به الفنون الإسلامية عامة. ومن مميزات الطراز السلجوقي عدا ذلك كثرة استخدام الزخارف المجسمة ولا سيما في وجهات العمائر.
ولكن الواقع أن أهم الآثار الفنية التي خلفها هذا الطراز السلجوقي تنسب إلى آسيا الصغرى وأرمينية وبلاد الجزيرة والشام. ومما يلاحظ في العمائر الدينية السلجوقية؛ أنها لم تكن مقصورة في أغلب الأحيان على المساجد فحسب، بل كثر بناء الأضرحة على شكل أبراج أسطوانية أو ذات أضلاع وأوجه عدة،
3
أو على شكل عمائر ذات قباب، كما أدخل السلاجقة بناء المدارس لتعليم المذهب السني. والواقع أن المذهب الشافعي كان له أتباع كثيرون متفرقون في بعض بقاع إيران، ولكن هذا المذهب السني لم تكن له صفة رسمية إلا على يد السلاجقة، ولا سيما الوزير نظام الملك الذي شيد له المدارس الفخمة، والذي عرف برعايته للشاعر والفيلسوف الإيراني عمر الخيام. على أن ما شيد في إيران من تلك المدارس لم يبق منه شيء، وقد كان كله لتدريس المذهب الشافعي، بينما غلب مذهب ابن حنبل على المدارس التي أسست في العراق، ومذهب أبي حنيفة على ما شيد منها في الموصل وسورية. وقد حدث بعد ذلك أن الخليفة العباسي المستنصر بالله (623-640ه؛ أي 1226-1242م) شيد المدرسة التي تنسب إليه في بغداد وجعلها لتدريس المذاهب السنية الأربعة.
صفحة غير معروفة
وقد كان لبناء المدارس أثر كبير في تصميم المساجد بعد ذلك؛ فقد استطاعت إيران أن تجمع بين تصميم المدارس ذات الصحن المستطيل، واستخدام القباب في المساجد ، وانتقل هذا النظام الجديد في تشييد المساجد إلى كثير من الأقطار الإسلامية، وصار
4
الصحن في المساجد الجديدة لا يختلف كثيرا عن فناء المدرسة. ولسنا نملك في هذا المجال أن نتطرق إلى شرح التفاصيل المعمارية في أنواع المساجد المختلفة، مما لا يمت لعبقرية الشعب الإيراني وفنونه بصلة كبيرة.
ومما يلاحظ في العمائر السلجوقية على وجه الإطلاق ما للمدخل من الضخامة وخطورة الشأن، كما تمتاز العمائر السلجوقية المختلفة بتنوع الزخارف في أبوابها تنوعا تزيده الثروة الزخرفية ظهورا ويكسب البناء طابعا خاصا.
وقد شهد العصر السلجوقي في إيران تقدما عظيما في بناء العمائر ذات القباب والأقبية، كما نرى في الجزء الذي بني على يد السلطان ملكشاه من مسجد الجمعة بمدينة أصفهان (انظر شكل
4 ).
على أن أعظم تجديد أصابته العمائر الإيرانية في القرنين السادس والسابع بعد الهجرة (الثاني عشر والثالث عشر بعد الميلاد) هو تزيين الجدران بالزخارف القاشانية من اللوحات أو الفسيفساء. وعرفت إيران في المساجد محاريب مسطحة لا تجويف فيها، ولكن عليها رسوما تمثل محرابا يحف به عمودان بارزان. وكانت هذه المحاريب تصنع من الجص أو من القاشاني ذي البريق المعدني. وفي القسم الإسلامي من متاحف برلين محراب من القاشاني (انظر شكل
28 ) مؤرخ من سنة 623ه/1226 ميلادية، ويظن أنه كان في مسجد الميدان بمدينة قاشان.
وقد شهد العصر السلجوقي في ميدان الكتابة تجديدا خطير الشأن؛ إذ استخدمت الكتابة النسخية المستديرة، فضلا عن الكتابة الكوفية التي كانت تجمل بالفروع النباتية وتوصل حروفها بعضها ببعض؛ فوصلت إلى حد كبير من الجمال والثروة الزخرفية. ويختلف تاريخ استخدام الخط النسخي باختلاف الأقطار الإسلامية، ولكننا نستطيع بوجه عام أن نعتبر القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) عصر الانتقال إلى هذا النوع من الكتابة.
5
صفحة غير معروفة
كما ذاع استخدام الورق في العصر السلجوقي، ولم يعد الورق يستعمل إلا في المناسبات النادرة. وقد أخذ المسلمون صناعة الورق عن الصينيين، وكان بدء إنتاجه في سمرقند، ثم انتشرت صناعته في سائر الأقاليم الإسلامية.
6
وتنسب إلى العصر السلجوقي أولى مدارس التصوير في الإسلام، وتسمى في معظم الأحيان مدرسة بغداد أو العراق، ولكنها في الواقع عربية أكثر منها إيرانية، وسوف نشير إلى ذلك في الكلام عن التصوير الإيراني عامة، وحسبنا الآن أن نذكر أن صور تلك المدرسة كانت لا تقل عن الصور الغربية المعاصرة لها في دقة الألوان ونضارتها وقوة الرسم واتزانه، وأنها كانت متأثرة بأساليب الرسم والتصوير عند أصحاب مذهب ماني في معابد بلاد التركستان الشرقية وأديرتها. وقد كان ماني - كما نعرف - من كبار المصلحين الاجتماعيين في إيران عاش في القرن الثالث الميلادي وبشر بمذهب ديني جديد هو مزيج من الزرادشتية - دين الإيرانيين القديم - والمسيحية. وكان ماني مصورا قديرا، ولعل تلاميذه كانوا كذلك أيضا؛ فقد سار هو وأتباعه على توضيح كتبهم الدينية بالرسوم والصور، كما نعرف من المصادر التاريخية والأدبية، ومن الصور التي عثر عليها العالمان الألمانيان فون لوكوك
Von Le Coq
وجرينفيدل
Grünwedel
في مدينة طرفان من أعمال التركستان الصينية. وقد كانت هذه المدينة بين عامي 143 و225 بعد الهجرة (760-840م) عاصمة لدولة الأويغور التركية الجنس والمانوية المذهب. والمعروف أن أمراء السلاجقة وقوادهم كانوا يستخدمون في بطانتهم كتابا من أصل أويغوري. وأكبر الظن أن أثرهم في قيام مدرسة العراق كان أعظم من أثر أتباع الكنيسة المسيحية في بلاد الشام والجزيرة.
وكذلك كانت صناعة التحف المعدنية زاهرة في العصر السلوجوقي، وكانت مقاطعة خراسان في طليعة الأقاليم السلجوقية التي امتازت في هذا الميدان؛ ولا غرو فإنها كانت في عصر الدولة السامانية (261-389ه؛ أي 874-999م) مركزا عظيما لإنتاج التحف والأواني من البرونز وتزيينها بالزخارف الإيرانية القديمة ذات الطراز الساساني. ونحن نعرف في بعض المتاحف والمجموعات الأثرية الخاصة عددا كبيرا من التحف المعدنية لا تزال عليها زخارف من الطراز التي سبقت العصر الإسلامي، ولكن فيها بعض تفاصيل دقيقة تظهر لذوي الخبرة، وتدل على أن هذه التحف مصنوعة في صدر الإسلام، واحتفظ الفنانون في صناعتها بالأساليب الفنية الساسانية، بل احتفظوا عدا ذلك بأشكال التحف والأواني القديمة. أما في عصر السلاجقة فقد ذاعت شهرة خراسان بصناعة التحف من النحاس والفضة وتطبيقها (تكفيتها) بالفضة في القرنين الخامس والسادس بعد الهجرة (الحادي عشر والثاني عشر بعد الميلاد). وكانت هذه التحف تزين في أغلب الأحيان بأشرطة أفقية من الزخارف فيها كتابات نسخية تنتهي بعض قوائم الحروف فيها برسوم رءوس آدمية، وفيها رسوم راقصات وفرسان ومناظر طرب وموسيقى وبهلوان، وما إلى ذلك مما سيأتي الكلام عليه حين نفصل الحديث عن صناعة التحف المعدنية في الفن الإيراني.
على أن المدينة التي قدر لها أن تصبح أعظم مركز لصناعة التحف المعدنية المنزلة بالفضة والذهب هي مدينة الموصل في القرنين السادس والسابع بعد الهجرة (الثاني عشر والثالث عشر بعد الميلاد). وامتازت منتجاتها بدقة الزخارف المطبقة؛ أي المطعمة، وباستخدام الذهب في التطبيق أو التكفيت؛ مما أكسب تلك التحف جمالا وإبداعا عظيمين؛ ولا عجب فقد كانت كراهية اتخاذ الأواني من المعادن النفيسة سببا في العمل على تطبيق النحاس والبرونز بزخارف الفضة والذهب.
وقد كان لمدرسة الموصل أكبر الأثر في تطور صناعة المعادن في سائر الأقطار الإسلامية؛ فقد رحل منها صناع كثيرون إلى القاهرة وحلب وبغداد ودمشق، وأسسوا مدارس جديدة لصناعة التحف المعدنية وتطبيقها بالفضة والذهب في أسلوب فني يظهر فيه التأثر بأساليب مدرسة الموصل في هذا الميدان.
صفحة غير معروفة
وازدهرت صناعة الخزف في العصر السلجوقي، وظهرت المهارة التي ورثها صناع الخزف الإيرانيون والعراقيون عن العصور القديمة. وأقبل القوم على استخدام القاشاني لتزيين الجدران، والخزف لصناعة الأواني الجميلة، وذاعت شهرة مدينتي الرقة والموصل، ولكن الذي يعنينا في هذا المقام هو مركز ثالث من مراكز إنتاج الخزف في العصر السلجوقي، بل هو أعظمها على الإطلاق. ونقصد مدينة الري جنوبي طهران؛ فقد ظلت هذه المدينة حتى القرن السابع الهجري (النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي) مقر صناعة زاهرة جدا، وموطنا لإنتاج أنواع دقيقة وبديعة من الخزف الذي أكسب إيران في هذا الميدان شهرة لا تدانيها شهرة الصين في ذلك العصر، والذي امتاز بتنوع أشكاله وجمالها وإبداع زخارفه واتزانها. والواقع أن أكبر مركز لصناعة الخزف ذي البريق المعدني كان في مصر إبان العصر الفاطمي، ثم أصبحت القيادة في هذا الميدان لمدينة الري منذ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي).
وتوصل الخزفيون فيها إلى التجديد في صناعتهم إبان القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) فلم تعد منتجاتهم مقصورة على النوع الذي يعرف باسم «جبرى»
7
وينسب معظمه إلى ما بين القرنين الرابع والسادس (العاشر والثاني عشر بعد الميلاد)، وهو شعبي يمتاز بزخارفه المحفورة حفرا عميقا على أرضية من الفروع النباتية، والتي تذكر بعض الشيء بالزخارف الساسانية في رسومها المكونة من حيوان أو طائر يكسبه الحفر العميق شيئا من البروز. أجل، وفق الخزفيون بمدينة الري في القرن السادس (منتصف القرن الثاني عشر الميلادي) إلى صناعة الخزف ذي البريق المعدني ويسمونه «مينائي»، وهو في أغلب الأحيان آنية - وفي بعض الأحيان لوحات - مدهونة بطلاء أبيض فوقه رسوم متعددة الألوان من صور آدمية وفرسان وأمراء على عروشهم وحيوانات وطيور، وصور توضح قصصا من الأدب أو التاريخ الإيراني كقصة بهرام جور وخسرو وشيرين، وما إلى ذلك من الرسوم الدقيقة التي تشبه رسوم المخطوطات في المدرسة السلجوقية، والتي كان بعض أجزائها مذهبا. ومن المحتمل أن يكون مصورو المخطوطات قد اشتركوا في رسم الزخارف على بعض تلك الأواني الخزفية. بيد أن عددا منها كانت رسومه من الفروع النباتية وليس فيها رسوم آدمية، كما أن بعضها كان طلاؤه أزرق أو أخضر. وثمة نوع كانت زخارفه بارزة ومجسمة، كما سنرى في الفصل الذي سنعقده للكلام على الخزف الإيراني عامة.
أما صناعة الزجاج وتمويهه بالمينا، فقد كان مركزها في العصر السلجوقي منذ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) في إقليم سورية، وكانت زخارفه الدقيقة تشبه زخارف الخزف المصنوع في الري والتحف المعدنية المصنوعة في الموصل.
وقد ازدهرت في عصر السلاجقة صناعة السجاد التي كانت قبل ذلك في يد القبائل الرحل بآسيا الوسطى، ومما يؤسف له أننا لا نعرف اليوم نماذج من هذه الصناعة بإيران في العصر المذكور؛ فإن ما بقي من منتجات تلك الصناعة لا يتجاوز بعض قطع تنسب إلى آسيا الصغرى، وقد كانت في مسجد علاء الدين بقونية، وهي اليوم محفوظة بالمتحف الإسلامي في إستانبول . وأول هذه القطع من مختلف درجات الأحمر والأزرق، وكانت الأرضية في ذلك السجاد مزينة بزخارف هندسية مكررة أو برسوم أشكال صغيرة كثيرة الأضلاع، ويحف بالأرضية من الجهات الأربع إطار من رسوم حروف كوفية لا تقرأ.
ولم يكن عصر السلاجقة من العصور الذهبية في تاريخ الفنون فحسب؛ بل ازدهرت فيه الثقافة الإيرانية الإسلامية في ميادينها المختلفة، ولا سيما في عصر ملكشاه ووزيره نظام الملك، الذي ألف كتاب «سياسة نامه»، وأنشأ المدرسة النظامية في بغداد، وشمل برعايته أعلام المفكرين في عصره مثل الغزالي وعمر الخيام.
8
على أن السلاجقة في آسيا الصغرى أتيح لهم القيام بعمل حازم جليل؛ فقد قضوا على الصبغة البيزنطية التي كانت سائدة في تلك البلاد منذ العصور القديمة وجعلوها «منطقة نفوذ» إيرانية؛ فصارت الثقافة الإيرانية والأساليب الفنية الإيرانية صاحبة السيادة في بلاطهم بمدينة قونية، وظل تأثير الطرز الفنية الإيرانية عظيما في العمائر والتحف الفنية التي أنتجتها تركيا منذ عصر السلاجقة حتى عصر الأتراك العثمانيين. (3) الطراز الإيراني التتري
كان المغول أو التتر قبائل رحل من صحراء غوبي، وأفلحوا في القبض على زمام السلطان في الصين، ثم انطلقوا بقيادة جنكيز خان يفتحون الإقليم بعد الآخر، حتى أقاموا لأنفسهم عاهلية آسيوية عظمى، وامتد سلطانهم إلى بعض الأقاليم الأوروبية حينا من الدهر. وقد شنوا الغارة على بلاد ما وراء النهر وشرق إيران سنة 618ه فخربوا كثيرا من المدن التي مرت جيوشهم بها.
صفحة غير معروفة
9
واستطاع هولاكو حفيد جنكيز خان أن يفتح بغداد سنة 656ه/1258م وأن يقتل المستعصم آخر خلفاء بني العباس؛ فيقضي على الخلافة العباسية في العراق قضاء مبرما، بعد أن كان السلاجقة قد جردوها من كل سلطان دنيوي.
وجدير بنا أن نذكر أن المغول حين قضوا على دولة ملوك خوارزم في النصف الأول من القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، كانوا غرباء عن المدنية الإيرانية، ولم يكونوا قد أخذوا من الحضارة بنصيب وافر، ولكنهم لم يلبثوا أن تأثروا بالثقافة الصينية في الشرق والثقافة الإيرانية في الغرب، فعملوا بعد ذلك على رعاية الفنون والآداب.
وأسس هولاكو في إيران أسرة حكمتها حتى سنة 736ه/1336م وهي الأسرة الإيلخانية التي تهذب أفرادها وأتباعهم بالحضارة الإيرانية، ثم اعتنقوا الإسلام، ولكنهم لم يقطعوا أسباب العلاقة بينهم وبين أقربائهم من المغول في الشرق الأقصى؛ ولذا امتاز عصرهم في إيران بتأثير الأساليب الفنية الصينية في فنون إيران.
على أن خلفاء هولاكو لم يفطنوا في بداية الأمر إلى ما في نمو النظام الإقطاعي في إيران من خطر على دولتهم؛ فدب إليها الانحلال وانقسمت إيران بعد سقوط هذه الأسرة إلى دويلات محلية، كالدولة المظفرية في إقليمي فارس وكرمان ودولة الكرت في هراة، ودولة الجلائريين في العراق، وغيرها من الدويلات التي ظلت قائمة حتى قضى عليها تيمورلنك في نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) حين استقر له الأمر في بلاد ما وراء النهر، وبدأ سلسلة فتوحات أخضع فيها إيران وجزءا من جنوبي الروسيا والهند وهزم جيش بايزيد سلطان الأتراك العثمانيين عند أنقرة سنة 804ه/1402م.
وبعد وفاة تيمورلنك سنة 807ه/1405م أفلح ابنه شاه رخ في الاستيلاء على عرش إيران وبلاد ما وراء النهر، واتخذ مدينة هراة عاصمة له؛ فازدهرت فيها الفنون والآداب على يده وفي عهد خلفائه، حتى قامت الأسرة الصفوية سنة 907ه/1502م وتطور الفن برعايتها تطورا أدى إلى قيام طراز فني جديد.
ومهما يكن من الأمر فقد دمر المغول في فتوحاتهم كثيرا من المدن، وهرب من طريقهم، إلى مصر وغيرها من الأقطار الإسلامية، كثير من الصناع والفنانين، ولكن كل هذه الأحداث كانت عارضة؛ فإن هولاكو وخلفاءه كانوا يشملون رجال الفن بعنايتهم، بل كانوا حين يخربون المدن يعنون بإنقاذ الفنانين وأرباب الصناعات. والواقع أنهم أصابوا قسطا وافرا من التوفيق في النهضة بالفنون والصناعات والآداب. أما تيمورلنك فقد كان الخراب يتبع جيوشه أينما حلت، وكانت قسوته مضرب الأمثال، ولا سيما أن ضحاياها في إيران والهند وآسيا الصغرى كانوا مسلمين مثله، ولكنه إن كان قد خرب دهلي وشيراز وبغداد ودمشق، فقد فعل ذلك لتجميل عاصمته سمرقند، التي كان يعمل على أن تصبح عروس الشرق في المدنية والفنون، بل إنه ذهب إلى حد اعتبار الاشتراك في بناء عمائره فرضا على مهرة البنائين في الأقاليم المختلفة من دولته؛ فكان يستقدمهم، وكانوا يأخذون على عاتقهم تحقيق مشروعاته، كما كان الأمر في نظام «الليتورجيا»
Leiturgia
أو «العمل للشعب» عند الإغريق القدماء، حين كان الأغنياء أو القادرون على عمل من الأعمال يكلفون بعمله أو بالإنفاق عليه فترة من الزمن؛ مساهمة منهم في الخدمة الاجتماعية.
والواقع أن التخريب الذي ينسب إلى غارات المغول بولغ في نتائجه بعض المبالغة؛ فقد حدث حقيقة أن كسدت صناعة البناء، وتهدمت عمائر كثيرة وهاجر الصناع والفنانون إلى آسيا الصغرى وإلى مصر كما ذكرنا، وكما يظهر من قول المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي: «فلما خرب المشرق والعراق بهجوم عساكر التتري منذ كان جنكيز خان في أعوام بضع عشرة وستمائة إلى قتل الخليفة المستعصم ببغداد في صفر سنة 656 كثر قدوم المشارقة إلى مصر وعظمت عمارة الحسينية.»
صفحة غير معروفة
10
ولكن ما فعله المغول وتيمور وخلفاؤه في سبيل الفن وتشجيع الفنانين، يجعلنا نغض الطرف عما حدث في حروبهم الأولى من تدمير واضطهاد.
وبعد فإن الطراز الإيراني التتري يمتاز بأنه مشبع بالأساليب الفنية الصينية التي غمرت إيران نفسها وما جاورها من البلدان التي تأثرت بفنونها، ولا سيما في العصر الفاطمي.
11
أما في العمارة فإن بناء الأضرحة المشيدة على شكل الأبراج ظل شائعا في عصر المغول كما كان في عصر السلاجقة، ويظهر ذلك جليا في الضريح المشيد في مدينة مراغة والذي ينسب لإحدى بنات هولاكو، وهو مكون من برج مزين بفسيفساء من الفخار المطلي وفوقه هرم ذو قاعدة مثمنة، ولكن الأضرحة ذات القباب زادت عظمة وفخامة؛ بازدياد مساحتها وارتفاعها وبكثرة استخدام العقود فيها، كما نرى في ضريح السلطان الجايتو خدابنده في مدينة سلطانية؛ حيث نلاحظ أن المهندس قد توصل إلى زيادة تأثير العلو والارتفاع بأعمدة بناها حول قاعدة القبة كأنها المآذن الممشوقة.
12
على أن أشهر الأضرحة التي تنسب إلى الطراز الإيراني التتري موجودة في قرافة بسمرقند دفن فيها كثيرون من أفراد الأسر التيمورية. وأبدع هذه الأضرحة على الإطلاق هو ضريح تيمورلنك نفسه «جورامير »، بني سنة 808ه/1405م، ويتكون من قاعة صليبية الشكل في مثمن تقوم فوقه أسطوانة عليها قبة مضلعة، والأسطوانة مزينة بشريط من الكتابة الكوفية بقوالب الطوب المطلي بالمينا كالطوب الذي يغطي أضلاع القبة نفسها. ولا ريب في أن مظهر هذا الضريح من الخارج ومن الداخل بما فيه من حنايا ومقرنصات، يبعث في النفس الرهبة والإعجاب، ويجعله من أروع العمائر الإسلامية على الإطلاق (انظر شكل
12 ).
أما المساجد في الطراز الإيراني المغولي فقد زادت أناقة واتزانا كما يظهر في مسجد فرامين وفي جامع جوهر شاد بمدينة مشهد. ويمتاز هذا الجامع الأخير بتناسب أجزائه المختلفة. وشاع في عصر التيموريين بناء المساجد التي تعلوها قبة ضخمة، ويؤدي إليها مدخل عال يلفت النظر بعظمته وفخامته. ومن أبدع العمائر التي تنسب إلى القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) الجامع الأزرق الذي شيد بمدينة تبريز في منتصف هذا القرن، وكانت في وسطه قاعة كبرى عليها قبة وحولها قاعات أخرى وفي أحد جوانبها مقبرة مقنطرة أو مقبية. وقد زين هذا المسجد بفسيفساء من الخزف غاية في الإبداع والجمال، وفيها اللون الأزرق الفاتح والأزرق الغامق والأسمر والأخضر الغامق، كما أن فيها بعض الفروع النباتية المذهبة.
وقد عظم شأن المدارس في العصر التيموري، ولكن لم يطرأ على بنائها في هذا الطراز تغيير كبير. ومن الأمثلة التي لا تزال باقية في حالة جيدة مدرسة خرجرد على مقربة من الحدود الأفغانية، وقد شيدت سنة 849ه/1445م على يد مهندسين معماريين من شيراز، وتتكون من صحن مربع تحيط به أربعة إيوانات ذات طابقين وأقبية أسطوانية الشكل وعقود إيرانية مدببة. ومما يلاحظ في كثير من تلك المدارس وجود منارة أسطوانية مرتفعة تحف بجانبي المدخل المستطيل الشكل أو المربع، ويتوسط المدخل عقد إيراني كبير.
صفحة غير معروفة
واستخدم البناءون الجص بكثرة في زخارف العمائر الإيرانية التترية ولا سيما في المحاريب، ولكن التجديد الحقيقي في زخارف العمائر التي تنسب إلى هذا الطراز إنما هو استخدام الخزف والقاشاني المختلف الأنواع. والواقع أن أولئك الفنانين أتيح لهم أن يصلوا في الزخرفة بقوالب الآجر وبفسيفساء القرميد والخزف إلى غاية الإبداع والإتقان، ولا سيما في العصر التيموري الذي ينسب إليه المسجد الأزرق في تبريز، وقد غلبت هذه التسمية على المسجد المذكور للون القاشاني الذي يغطي جدرانه. ولا ريب في أن الفسيفساء الخزفية في هذا المسجد تبدو كأنها رسمت بدقة توازي دقة الفنانين الذين كانوا يشتغلون بزخرفة صفحات الكتب وتذهيبها، فضلا عن أن هذه الفسيفساء الخزفية المتعددة الألوان تذكر بما أولع به القوم في بلاد ما وراء النهر من تعدد الألوان في سجاجيدهم.
وعني الفنانون في ذلك العصر باستخدام المقرنصات أو الدلايات في تزيين العمائر عناية تذكر بما اتجه إليه زملاؤهم في الطراز الأندلسي المغربي، كما نرى في قصر الحمراء؛ حيث أسرف الفنانون في استخدام المقرنصات إسرافا كاد يؤدي إلى الملل وفقد البساطة الفنية، بينما أفلح الإيرانيون في استعمال هذه الزخارف بدون مبالغة تفقد عمائرهم الاتزان والاحتشام.
على أن الفنانين الإيرانيين في عصر المغول كانت لهم مهارة عظيمة في كسوة العمائر بنجوم من القاشاني يملئون ما بينها من الفراغ بلوحات أخرى صليبية الشكل، كما استخدمت المحاريب المصنوعة من القاشاني اللامع ذي البريق المعدني (انظر شكلي
28
و
30 ). والظاهر أن مركز صناعة هذا القاشاني كان قد انتقل في ذلك العصر من مدينة قاشان إلى فرامين، أما في العصر التيموري فقد انقضى عهد القاشاني ذي البريق المعدني، واستخدمت لكسوة الجدران تربيعات مختلفة الألوان.
ويظهر تأثير الشرق الأقصى واضحا في العناصر الزخرفية التي استخدمت في الطراز الإيراني المغولي، كالحيوانات الخرافية والصور الآدمية ذات السحنة الصينية. واحتفظت بغداد بشهرتها في كتابة المصاحف بالخط الجميل وتذهيبها، وأصاب الخطاطون فيها توفيقا عظيما في الخط النسخي الكبير، وكانوا يحددون الحروف بالذهب ويزينون الأرضية بالفروع النباتية الجميلة. وفي نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) انتقلت الزعامة في هذا الفن إلى مدينتي تبريز وسمرقند.
والواقع أن فنون الكتب ازدهرت في عصر المغول ازدهارا سوف نعرض له في الصفحات القادمة، وحسبنا أن نذكر الآن أن المصورين كانوا يشتركون أحيانا في رسم زخارف القاشاني والخزف، وأن الأساليب الفنية الصينية كانت غالبة في بداية عصر المغول، ثم هضمها الإيرانيون وحوروها تحويرا جعلها توافق روحهم الإيرانية والإسلامية. وثمة مخطوطات نرى في بعض صورها تأثير الأساليب الفنية الصينية، كما نرى في البعض الآخر بقاء الأصول الموروثة عن المدرسة السلجوقية. وخير مثال على هذا مخطوط من كتاب جامع التواريخ للوزير رشيد الدين يرجع إلى سنة 714ه/1314م، لا يزال جزء منه محفوظا الآن في الجمعية الآسيوية الملكية بلندن، والجزء الآخر في مكتبة جامعة أدنبرا.
وشهد الطراز الإيراني المغولي تجديدا في فن الخط الجميل فابتدع مير علي خط «نستعليق»، وبلغ هذا الخط غاية الجمال والإبداع على يد السلطان علي المشهدي الذي سمي «سلطان الخطاطين»، وقد توفي سنة 919ه/1513م.
13
صفحة غير معروفة
أما صناعة السجاد فليس لدينا ما يشهد بازدهارها في ذلك العصر اللهم إلا في بلاد القوقاز التي كانت تنتج أنواعا من السجاد، قوام زخارفه حيوانات خرافية وحقيقية مرسومة بطريقة اصطلاحية ظاهرة، بينما بدأت الأقاليم الإيرانية نفسها في صناعة السجاد ذي الجامة؛ أي الصرة، ولكن هذه الصناعة لم تبلغ عصرها الذهبي إلا في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي).
وطبيعي أن انتشر الحرير الصيني في إيران على يد المغول، وقلد الإيرانيون زخارفه أكثر مما كانوا يفعلون قبل ذلك؛ فأنتجوا أنواعا جيدة من الديباج كانوا يصدرونها إلى البلاد الأجنبية، وقد عثر على نماذج منها في بعض المقابر بمدينة فيرونا
Verona
الإيطالية، وكانت زخارفها من الحيوانات الخرافية والزهور الصينية والكتابات العربية.
على أن هذا الطراز لم يصب نجاحا كبيرا في صناعة المعادن، بل إن الدقة التي عرفناها في الطراز السلجوقي عند الفنانين الذين اشتغلوا بتطبيق البرونز والنحاس بالمعادن النفيسة، هذه الدقة اختفت أو كادت اللهم إلا على السيوف والخناجر والخوذات. وقد ظهرت في ذلك العصر الخوذة الناقوسية الشكل التي كانت تلبس فوق العمامة، وكان يتصل بها جزء لوقاية القسم الأعلى من الوجه وفيه فتحتان للعينين. أما السيف المستخدم في هذا العصر فكان مستقيما ذا نصل عريض قد طبقت فيه غالبا زخرفة تمثل رسم العراك بين التنين والعنقاء.
وعلى كل حال فإننا نتبين في العمائر والتحف التي تنسب إلى عصر المغول وعصر تيمور وخلفائه ما امتازت به إيران في الفنون الإسلامية من محافظة على قسط وافر جدا من أساليبها الفنية القديمة، ومن ميل إلى رسوم الكائنات الحية وإلى الزخارف النباتية الرشيقة.
وصفوة القول أن عصر المغول، ولا سيما عصر خلفاء تيمور، كان عصر نهضة عظيمة في الفنون والآداب، ولعله من الناحية الفنية أقوى العصور في إيران على الإطلاق. (4) الطراز الصفوي
أفلح الشاه إسماعيل في أن يستولي على عرش إيران سنة 907ه/1502م، وأن يؤسس الأسرة الصفوية، نسبة إلى الشيخ صفي الدين أحد الأولياء في مدينة أردبيل. وهي أولى الأسرات التي أصبح المذهب الشيعي في عهدها المذهب الرسمي لبلاد إيران. وكان طبيعيا ألا يتركها العثمانيون - وهم أبطال الجنس التركي والمذهب السني - آمنة في أملاكها المترامية الأطراف؛ فقامت بين العثمانيين والإيرانيين حروب انتهت باستيلاء الترك على الجزء الغربي من أملاك الدولة الصفوية؛ واضطر الإيرانيون إلى أن يقيموا داخل حدودهم الطبيعية وأن يلتفتوا إلى تقاليدهم الوطنية القديمة؛ فيبعثوا في البلاد نهضة إيرانية حقة، وصلت بها في الميدان الثقافي إلى الذروة العليا، ولا سيما في عصر الشاه عباس الأكبر.
ويمتاز الطراز الفني الذي ازدهر في إيران على يد الأسرة الصفوية بأن كل الأساليب الفنية التي كانت إيران أخذتها عن الشرق الأقصى في عصر المغول والعصر التيموري تطورت وهضمها الذوق الإيراني؛ فبعدت الشقة بينها وبين أصولها الصينية. كما يمتاز أيضا بزيادة الميل إلى قصص الأبطال الإيرانيين القدماء، وبالإقبال على تصوير هذه القصص في المخطوطات وفي غيرها من التحف الفنية. وعني الفنانون فضلا عن ذلك بدراسة بعض نواحي الطبيعة والحياة اليومية، وتجلى ذلك في صورهم وفي الزخارف التي استعملوها.
وقد زاد عدد المراكز الفنية في إيران، وكانت تبريز عاصمة الأسرة في البداية؛ فعمل فيها أعلام الخطاطين والمذهبين والمصورين والمجلدين، وأثر نشاطهم في ميادين فنية أخرى؛ فامتد نفوذهم إلى تصميم الفسيفساء الخزفية التي كانت تزين جدران العمائر وقبابها، كما ظهر أيضا في زخارف المنسوجات بأنواعها المختلفة. ثم نقل الشاه عباس مقر الحكم إلى أصفهان في نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وعني بتجميلها، وبنى فيها المساجد والقصور وأقام الطرق المعبدة؛ فأصبحت هذه المدينة من أزهر مدن الشرق، وصارت في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) المحور الذي تدور حوله الحياة الفنية الإيرانية، وطغى فيها أسلوب رضا عباسي، الذي سيأتي الحديث عنه في الصفحات القادمة.
صفحة غير معروفة