ثمار يانعة وتعليقات نافعة

عبد الكريم الحميد ت. غير معلوم

ثمار يانعة وتعليقات نافعة

الناشر

بدون ناشر فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م

مكان النشر

الرياض

تصانيف

ثمارٌ يانعة وتعليقاتٌ نافعة للشيخ عبد الكريم بن صالح الحميد حفظه الله

1 / 2

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد. أما بعد فهذه فوائد من كلام العلماء وتعليقات عليها دعت الحاجة إليها لتشابه الأحوال في بعض الأقوال والأفعال والله ولي التوفيق.

1 / 3

معنى أجر خمسين العامل بالسنة في آخر الزمان المتمسك بدينه له أجر خمسين من الصحابة ﵃. هل يعني هذا أن يكون أفضل منهم؟ قد يُشكل هذا وقد يفتح لبعض الناس دعوى عريضة، فاعرف المراد: قال شيخ الإسلام (١) ابن تيمية ﵀: لكن تضعيف الأجر لهم في أمور لم يضعف للصحابة لا يلزم أن يكونوا أفضل من الصحابة. ولا يكون فاضلهم كفاضل الصحابة فإن الذي سبق إليه الصحابة من الإيمان والجهاد ومعاداة أهل الأرض في موالاة الرسول وتصديقه وطاعته فيما يخبر به ويُوجبه قبل أن تنتشر دعوته وتظهر كلمته وتكثر أعوانه وأنصاره وتنتشر دلائل نبوته. بل مع قلة المؤمنين وكثرة الكافرين والمنافقين وإنفاق المؤمنين أموالهم في سبيل الله ابتغاء وجهه في مثل تلك الحال أمر ما بقي يحصل مثله لأحد كما في الصحيحين عنه ﷺ: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" (٢). قول ابن تيمية: "ما بقي يحصل مثله لأحد" يوضحه ما قاله ابن عباس: "لا تسبوا أصحاب محمد ﷺ فلمقام

(١) - أنظر مجموع الفتاوى ١٣/ ٦٥. (٢) - أخرجه البخاري (٢/ ٢٣٦) ومسلم (٤/ ١٩٦٧).

1 / 4

أحدهم ساعة (يعني مع النبي ﷺ خير من عبادة أحدكم عمره" (١). وقال ابن تيمية أيضًا في ذلك: وأما قوله: "لهم أجر خمسين منكم لأنكم تجدون على الخير أعوانًا ولا يجدون على الخير أعوانا". فهذا صحيح إذا عمل الواحد من المتأخرين مثل عمل عمله بعض المتقدمين كان له أجر خمسين. لكن لا يُتصور أن بعض المتأخرين يعمل مثل عمل بعض أكابر السابقين كأبي بكر وعمر فإنه بقي يبعث نبي محمد بعمل معه مثلما عملوا مع محمد ﷺ. وأما قوله: "أمتى كالغيث لا يُدرى أوله خير أم آخره" (٢) مع أن فيه لينًا فمعناه: في المتأخرين من يشبه المتقدمين ويقاربهم حتى يبقى لقوة المشابهة والمقارنة لا يدري الذي ينظر إليه أهذا خير أم هذا؟ وإن كان أحدهما في نفس الأمر خيرًا فهذا فيه بشرى للمتأخرين بأن فيهم من يقارب السابقين كما جاء في الحديث الآخر: "خير أمتي أولها وآخرها وبين ذلك ثبج أو عوج. وودت أني رأيت إخواني قالوا: أولسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي" (٣) هو تفضيل للصحابة فإنه لهم خصوصية الصحبة التي هي أكمل من مجرد الأخوّة (٤).

(١) - أنظر شرح الطحاوية ص٥٣٢. (٢) - أخرجه الترمذي في الجامع رقم (٣٨٧٨) وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وأحمد (٣/ ١٣٠ - ١٤٣). (٣) - أخرجه ابن الجوزي في غريب الحديث (١/ ١١٧). (٤) - مجموع الفتاوى ١١/ ٣٧١.

1 / 5

عدم العلم بالشيء لا يوجب نفيه قال ابن تيمية ﵀: ومن ظن أن مالا يعلمه هو لا يعلمه غيره كان من جهله فلا ينفي عن الناس إلا ما علم انتفاؤه عنهم وفوق كل ذي علم عليم أعلم منه حتى ينتهي الأمر إلى الله تعالى (١). يقع كثيرًا أن ينفي الإنسان ما لا يعلم هو وإن كان مستيقنًا عند غيره مثل من ينفي وجود الجن فيقال له: عدم علمك بذلك لا يوجب نفي وجودهم ولك نصيب من معنى قوله تعالى: (بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ) (٢). ولذلك يقول ابن تيمية في بيان وكشف حال منكري الجن: وليس لمن أنكر ذلك حجة يعتمد عليها تدل على النفي. وإنما معه عدم العلم (٣). إذًا عدم العلم بالشيء ليس بعلم حتى تُنفى من أجله الحقائق الثابتة ولا هو حجة.

(١) - مجموع الفتاوى ١٦/ ٤١٨. (٢) - يونس، ٣٩. (٣) - مجموع الفتاوى ١٩/ ٣٢.

1 / 6

محبة ضارة في الوصل والهجر الإنسان مريد محب وهذه الإرادة والمحبة ليست ملكًا له حتى يعلقها بما يشاء مما يهوى. بل ذلك مملوك كباقي صفاته وأعماله لإلهه الحق وهو مفطور على محبة معبوده فلما فسدت الفطرة تعلقت المحبة والإرادة بالمخلوقات. فصار عمل القلب على خلاف ما فطر عليه فحلت به العقوبات المعجلة فهو متألم معذب بحصول محبوبه وبعدم حصوله كمن تعلق بمحبة الدنيا أو الرئاسة أو العشق ونحو ذلك فقد قال ابن تيمية: كذلك العاشق يضره اتصاله بالمعشوق مشاهدة وملامسة وسماعًا بل ويضره التفكر فيه والتخيل له وهو يشتهي ذلك فإن مُنِع من مشتهاه تألم وتعذب وإن أعطي مشتهاه قوي مرضه وكان سببًا لزيادة الألم (١) هذا يبين عظم اضطرار الإنسان وفاقته وفقده الذاتي لمعرفة معبوده الحق ومحبته لينجو من هذا العذاب والألم العاجل في الدنيا حيث أن تعلق قلبه بغيره مُعذّب مؤلم في الوصل والهجر. ولذلك قال: فكذلك إذا بُلي بحب من لا ينفعه العشق ونحوه سواء كان لصورة أو لرئاسة أو لمال ونحو ذلك فإن لم يحصل محبوبه

(١) - مجموع الفتاوى ١٠/ ١٣٠.

1 / 7

ومطلوبه فهو متألم ومريض سقيم وإن حصل محبوبه فهو أشد مرضًا وألمًا وسقمًا (١). قد لا نعجب من حصوص الألم والعذاب في القلب حال عدم حصول المحبوب المراد. لكن العجب والله من حصول الألم مع حصوله والتمتع به والتلذذ والتنعم بقربه ووصله أيًا كان ذلك المحبوب رئاسة أو مالًا أو عشقًا أو غيره مما سوى الله فما هو السر يا ترى؟ يذكر أهل العلم أن اللذة الحاصلة بحصول المحبوب من جنس اللذة الحاصلة من أكل الطعام الشهي المسموم فتأمل فمعرفة ذلك توضح ذلك معنى "لا إله إلا الله".

(١) - مجموع الفتاوى ١٠/ ١٤٢.

1 / 8

مثال لعذاب القبر ونعيمه طوائف لا يحصيهم إلا الله من الناس كذبوا بعذاب القبر ونعيمه وهؤلاء يزعمون أنهم لا يصدقون ولا يؤمنون بغير المحسوس. ولذلك أنكروا ما ثبت بنصوص الكتاب والسنة وما دلت عليه أيضًا مشاهدات الناس وسماعهم لذلك مما لا يحصيه إلا الله. والذين ينكرون ذلك يلزمهم طردًا لهذا الأصل أن ينكروا أرواحهم وينكروا وجود الملائكة والجن بل وأعظم من ذلك أن ينكروا وجود الله. وقد وضع بعض الزنادقة زئبقًا على كتف ميت عند دفنه ثم نبشوه بعد مدة فوجدوا الزئبق على حاله فصاروا يجادلون بذلك المؤمنين. وإنك تجد هؤلاء الذين يُشككون فيما جاء به الرسول ﷺ عليه وسلم أردأ الخلق وأتعسهم وأضلهم وتجد أن نخوتهم الشيطانية تقودهم إلى ما يُضحك عليهم العقلاء كما قادت سيدهم إبليس نخوته عن شرف السجود لآدم طاعة وامتثالًا لأمر ربه إلى أسوء سوء وأقبح حال على الإطلاق. ومثل واحد نضربه لسوء حال من رغب عن الانقياد للصادق المصدوق ﷺ فيه عبره وموعظه. أهل القوانين الإبليسية، من قوانينهم منع تعدد الزوجات. وعقوبة من سولت له نفسه وتزوج بثانية السجن خمس سنوات.

1 / 9

رأوا مرة إنسانًا يتردد على بيت ليس فيه إلا امرأة فشكوا أنه متزوج بها وهم يعلمون أن له زوجة غير هذه. فأمسكوه بتهمة الزواج بثانية ليطبقوا عليه قانون السجن فأثبت لهم أنه لم يتزوج بها وإنما هي عشيقته فأفلتوه. فانظر تلاعب الشيطان بمن ضل عن الصراط المستقيم الذي دعا إليه محمد ﷺ. والمراد هنا تقريب فهم عذاب القبر ونعيمه حيث قد يشكل على بعض الناس ولو لم يكذّب الرسول ﷺ. ذكر ابن القيم ﵀ أن أحكام البرزخ على الأرواح وأن الأبدان تبع لها حيث تجري الأحكام على الأرواح فتسري إلى الأبدان نعيمًا أو عذابًا. ثم ضرب لذلك مثلًا فقال: وقد أرانا الله سبحانه بلطفه ورحمته وهدايته من ذلك أنموذجًا في الدنيا من حال النائم فإن ما يتنعم به أو يعذب في نومه يجري على روحه أصلًا والبدن تبع له وقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيرًا مشاهدًا فيرى النائم في نومه أنه ضُرب فيصبح وأثر الضرب في جسمه. ويرى أنه قد أكل أو شرب فيستيقظ وهو يجد أثر الطعام والشراب في فيه ويذهب عنه الجوع والظمأ. وأعجب من ذلك أنك ترى النائم يقوم من نومه ويضرب ويبطش ويدافع كأنه يقظان وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك.

1 / 10

وذلك أن الحكم لما جرى على الروح استعانت بالبدن من خارجه ولو دخلت فيه لاستيقظ وأحس. فإذا كانت الروح تتألم وتتنعم ويصل ذلك إلى بدنها بطريق الإستتباع فهكذا في البرزخ بل أعظم فإن تجرد الروح هنالك أكمل وأقوى وهي متعلقة ببدنها لم تنقطع عنه كل الإنقطاع فإذا كان يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد ظاهرًا باديًا أصلا. ثم قال ﵀: ومتى أعطيت هذا الموضع حقه تبين لك أن ما أخبر به الرسول من عذاب القبر ونعيمه وضيقه وسعته وضمه وكونه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة مطابق للعقل وأنه حق لا مرية فيه وأن من أشكل عليه ذلك فمن سوء فهمه وقلة علمه أُتي كما قيل: وكم من عائب قولًا صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم وأعجب من ذلك أنك تجد النائمين في فراش واحد وهذا روحه في النعيم ويستيقظ وأثر النعيم على بدنه وهذا روحه في العذاب ويستيقظ وأثر العذاب على بدنه. وليس عند أحدهما خبر بما عند الآخر فأمر البرزخ أعجب من ذلك. ثم ذكر ﵀ أن الله سبحانه جعل أمر الآخرة وما كان متصلًا بها غيبًا وحجبها عن إدراك المكلفين في هذه الدار وذلك من كمال حكمته وليتميز المؤمنون بالغيب من غيرهم فأول ذلك أن

1 / 11

الملائكة تنزل على المحتضر وتجلس قريبًا منه ويشاهدهم عيانًا ويتحدثون عنده ومعهم الأكفان والحنوط إما من الجنة وإما من النار ويؤمّنون على دعاء الحاضرين بالخير والشر وقد يسلمون على المحتضَر ويرد عليهم تارة بلفظه وتارة بإشارته وتارة بقلبه حيث لا يتمكن من نطق ولا إشارة (وقد سُمع) بعض المحتضرين يقول: أهلًا وسهلًا ومرحبًا بهذه الوجوه. (وأخبرني) شيخنا عن بعض المحتضرين فلا أدري أشاهده أم أخبر عنه أنه سُمع وهو يقول: عليك السلام ها هنا فاجلس. وعليك السلام هاهنا فاجلس إلى آخر ما ذكر ﵀ (١).

(١) - انظر كتاب الروح ص٦٣.

1 / 12

صلاة الله على نبيه وصلاتنا عليه قال ابن القيم ﵀: فصلاة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه. وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به (١).

(١) - جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ص٨٦.

1 / 13

هو الذي يسيركم في البر والبحر ذكر الطبري ﵀ في تاريخه (١) سبب إسلام عكرمة بن أبي جهل ﵁ قال: ولما استقر الفتح أمّن رسول الله ﷺ الناس كلهم إلا تسعة نفر فإنه أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم عكرمة ﵁. فكان عكرمة يُحدّث فيما يذكرون أن الذي رده إلى الإسلام بعد خروجه إلى اليمن أنه كان يقول: أردت ركوب البحر لألحق بالحبشة فلما أتيت السفينة لأركبها قال صاحبها: يا عبد الله لا تركب سفينتي حتى توحد الله وتخلع ما دونه من الأنداد فإني أخشى إن لم تفعل أن نهلك فيها. فقلت: وما يركب أحد حتى يوحد الله ويخلع ما دونه؟ قال: نعم لا يركبه أحد إلا أخلص. قال: فقلت: ففيما أفارق محمدا فهذا الذي جاء نابه فوا الله إن إلهنا في البحر لإلهنا في البر فعرفت الإسلام عند ذلك ودخل قلبي. إنتهى. إذا علمت هذا فسوف أذكر لك ما يبين صدق الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ في قوله: إن مشركي زماننا أعظم شركًا من الأولين فأولئك يشركون في الرخاء ويخلصون لله في الشدة وقد أخبر الله عنهم في القرآن.

(١) - ٢/ ١٢٠.

1 / 14

فإنه جرى كلام بيني وبين أحد القادمين إلى هذه البلاد من بلاد مجاوره فقال: كنا سبعين رجلًا نريد أن نركب البحر لنقدم إلى هذه البلاد وعندما أردنا الركوب قالوا: تعالوا نصلي في مسجد الغريب حتى لا تغرق السفينة. فسألته عن مسجد الغريب. فقال: مسجد فيه قبر يتبركون فيه. يقول: فقلت لهم. ولماذا نذهب إلى الغريب حتى لا تغرق السفينة أهو ربنا؟. يقول: فذهبوا كلهم إلى مسجد الغريب وبقيت أنتظرهم لنسافر. وشاهد القصة الفرق بين الجاهلي الذي يقول لعكرمة: لا تركب البحر حتى تخلع الأنداد وتخلص وبين من يقولون. لا نركب البحر حتى نشرك. (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) (١) قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (٢). فالعبد هو السائر والرب ﷻ هو المسيّر وقال تعالى: (قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ) (٣) يعني بدلًا من الرحمن ويكلؤكم يحفظكم. وهؤلاء يجعلون الغريب والبدوي وأمثالهم هم الذين يسيّرون العباد في البر والبحر ويحفظونهم. تبًا لهذه العقول .. وانظر في القادمين وأحوالهم وما نحن فيه فإلى الله المشتكى.

(١) - الكهف، ٥. (٢) - يونس، ٢٢. (٣) - الأنبياء: ٤٢.

1 / 15

المرور بديار المعذّبين ذكر ابن القيم ﵀ من الفوائد في غزوة تبوك قال: ومنها أن من مر بديار المغضوب عليهم والمعذبين لم ينبغ له أن يدخلها ولا يقيم بها بل يسرع السير ويتقنع بثوبه حتى يجاوزها ولا يدخل عليهم إلا باكيًا معتبرًا ومن هذا إسراع النبي ﷺ السير في وادي مُحسّر بين مِنى وعرفه فإنه المكان الذي أهلك الله فيه الفيل وأصحابه (١). على هذا فإن من يمر بتلك الديار بحال عادية تظهر مخالفته لهدي رسول الله ﷺ وقلة خوفه من ربه. كيف إذًا ما يفعل في هذه الأزمان من المنكرات هناك فضلًا عن الضحك واللعب والكلام بالهزليات والصور وغير ذلك مما يشعر بخلو القلوب من خوف الجليل والبعد عن سواء السبيل.

(١) - انظر زاد المعاد ٣/ ٥٦٠.

1 / 16

الميل إلى الذكران قال ابن تيمية: فميل النفس إلى النساء عام في طبع جميع بني آدم. وقد يبتلى كثير منهم بالميل إلى الذكران كما هو المذكور عنهم فيبتلى بالميل إلى المردان وإن لم يفعل الفاحشة الكبرى ابتلي بما هو دون ذلك من المباشرة والمشاهدة. ولا يكاد أن يسلم أحدهم من الفاحشة إما في سره وإما بينه وبين الأمرد ويحصل للنفس من ذلك ما هو معروف عند الناس وقد ذكر الناس من أخبار العشاق ما يطول وصفه فإذا ابتلي المسلم ببعض ذلك كان عليه أن يجاهد نفسه في الله وهو مأمور بهذا الجهاد ليس أمرًا أوجبه وحرمه هو على نفسه فيكون في طاعة نفسه وهواه بل هو أمر حرمه الله ورسوله ولا حيلة فيه. فيصير بالمجاهدة في طاعة الله ورسوله (١). وقال ﵀ في التوبة من مثل هذه الفواحش: وإنما الغرض أن الله يقبل التوبة من كل ذنب كما دل عليه الكتاب والسنة. والفواحش خصوصًا ما علمت أحدًا نازع في التوبة منها، والزاني والمزني به مشتكران في ذلك إن تابا تاب الله عليهما ويبين التوبة خصوصًا من عمل قوم لوط من الجانبين ما ذكره الله في قصة قوم لوط فإنهم كانوا يفعلون الفاحشة بعضهم ببعض ومع هذا فقد دعاهم جميعهم إلى تقوى الله والتوبة منها.

(١) - مجموع الفتاوى ١٤/ ٤٦١.

1 / 17

فلو كانت توبة المفعول به أو غيره لا تقبل لم يأمره بما لا يقبل قال تعالى: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) (١) فأمرهم بتقوى المتضمنة لتوبتهم من هذه الفاحشة. والخطاب وإن كان للفاعل فإنه إنما خُصّ به لأنه صاحب الشهوة والطلب في العادة بخلاف المفعول به فإنه لم تخلق فيه شهوة لذلك في الأصل. وإن كانت قد تعرض له عرض طارئ أو أجر يأخذه من الفاعل أو لغرض آخر. والله ﷾ أعلم (٢).

(١) - الشعراء، ١٦٠، ١٦١، ١٦٢، ١٦٣. (٢) - مجموعة الفتاوى ١٥/ ٤٠٨.

1 / 18

أسباب صرع الجن للإنس ذكر ابن تيمية ﵀ أن لذلك ثلاثة أسباب: قال: تارة يكون الجن يحب المصروع فيصرعه ليتمتع به. وهذا الصرع يكون أرفق من غيره وأسهل. وتارة يكون الإنسي آذاهم إذا بال عليهم أو صبّ عليهم ماء حارًا أو يكون قتل بعضهم أو غير ذلك من أنواع الأذى وهذا أشد الصرع. وكثيرًا ما يقتلون المصروع. وتارة يكون بطريق العبث به كما يعبث سفهاء الإنس بأبناء السبيل (١).

(١) - مجموع الفتاوى ١٣/ ٨٢.

1 / 19

كتمان النصوص المخالفة وبغضها وبغض إظهارها طالب الحق الصادق همته ظهور الحق فلا يدفعه ويرده أو يلبسه بالباطل إذا ظهر على يد خصمه ومن لا يهواه. لأن الصادق يريد أن يكون الدين كله لله وهذا أعظم ما يتميز به السني. أما المبتدع فهو بخلاف ذلك فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فلا تجد قط مبتدعًا إلا وهو يحب كتمان النصوص التي تخالفه ويبغضها ويبغض إظهارها وروايتها والتحدث بها ويبغض من يفعل ذلك كما قال بعض السلف: ما ابتدع أحد بدعة إلا نزعت حلاوة الحديث من قلبه (١). ما أقل من يسلم من هذا المرض الخطير. والذي ينبغي أن نعتني به هنا حتى لا يروج علينا زيف المبطل أنه أقل الناس اليوم من يرد الحق مباشرة ويصادمه مصادمة مكشوفة فقد ظهر من علم الحجة اليوم ما يبهر فلم يبق إلا اللبس. ولذلك قال الشيخ بعد الكلام السابق: ثم إن قوله الذي يعارض به النصوص لا بد أن يلبس فيه حقًا بباطل بحسب ما يقول من الألفاظ المجملة المتشابهة ثم استدل بقول

(١) - مجموع الفتاوى ٢٠/ ١٦١.

1 / 20

أحمد ﵀: "يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم". إنتهى. لقد رُدّ كل نص من نصوص الكتاب والسنة مخالف للهوى في زماننا هذا وعورض بحشد هائل من الألفاظ المجملة المتشابهة وهي المتشابه من الكلام وهي لبس الحق بالباطل فالله هو المستعان ورحم الله أئمتنا وعلمائنا ما أصدق عباراتهم وأصوبها.

1 / 21