وكفى بتلك القصيدة وحدها دليلا على الفارق الواضح بين الكاتب باكون، والشاعر شكسبير، أو دليلا على المكان الذي يتبوءه الكاتب باكون من ديوان الأدب الخالد، وهو مكان الأديب الموهوب والناثر البليغ، والشاعر اللبق فيما يحتويه النثر الجميل ولا يزيد عليه.
من باكون؟
(1) مقالات
الحق
ما الحق؟
سؤال سأله بيلاطس مازحا ولم ينتظر جوابه، ومن البين أن كثيرا من الطبائع القلب والعقول الواهية تحسب الثبات على العقيدة قيدا، كما يحسبه أناس حجرا على المشيئة الحرة في التفكير والعمل على السواء.
وقد تولت مدرسة أولئك الفلاسفة، الذين ينظرون تلك النظرة، وبقي بعدهم أناس من أصحاب العقول المزعزعة يجرون على منوالهم، وليست لهم متانة معدنهم ولا نفاذ حجتهم، إلا أننا نرى أنه لا المشقة التي يعالجها الناس في الوصول إلى الحق، ولا القيود التي يفرضها الحق على النفس بعد الوصول إليه، هما العلة المغرية بالكذب والباطل، وإنما هناك علة أخرى من هوى الطبائع تطلب الكذب حبا للكذب، وتهوى الباطل غراما بالباطل.
وقد بحث بعض المتأخرين من فلاسفة اليونان - يعني لوسيان - في هذا الذي يولع بعض الناس بالكذب، وليس فيه سور فني كما في خيال الشعراء، ولا مغنم منشود كما في مساومات التجار.
ولست أدري ولا إخالني أدري، فقد يلوح لي أن الحق في وضوحه كضوء النهار البين الذي لا يروق الأنظار بعض ما تروقها أضواء الشموع في الملاعب والمساخر، ومواكب المقنعين وذوي البراقع.
أو يصح أن يقال: إن الحق كاللؤلؤ الذي يرى أحسن ما يرى بالنهار، ولكنه ليس كالماس أو العقيق، اللذين يريان أحسن ما يريان على اختلاف الأضواء.
صفحة غير معروفة