صحت عند السلالم: «هنري، هيا اصعد!»
جلبت لنا مديرة منزلي وجبة إفطار ضخمة، فتناولنا الطعام معا وأخبرني هنري كل شيء عن رحلته. كانت الرحلة من جنيف في غاية الإثارة! استمر يتحدث ويتحدث عن الناس الظرفاء الذين التقى بهم على طول الطريق. ابتسمت واستمعت إلى قصصه. كم كنت أفتقد صديقي هنري! فقد أنستني أشهر عديدة أمضيتها منعزلا في معملي متعة الصداقة البسيطة.
بعدما انتهينا من تناول الطعام لم أستطع أن أهدأ؛ فقد تحرر شيء ما بداخلي ولم أستطع كبح جماح نفسي، فبداخلي كم هائل من الطاقة. قفزت فوق المقاعد ألوح بيدي بقوة وأقهقه على نحو هستيري. وانزعج هنري من سلوكي الغريب.
صاح في وجهي: «فيكتور، اهدأ لحظة. أنت تثير أعصابي بكل حركاتك. ما الخطب؟»
قلت له: «لا شيء! أنا في أحسن حال!» ثم انفجرت في الضحك ولم أستطع أن أتوقف.
عندئذ ظننت لحظة أنني رأيت المسخ فقلت وأنا أبكي: «لا تسألني!» ثم وضعت يدي على عيني وصرخت: «إنه يعرف! يعرف! أوه، يا إلهي أنقذني! أنقذني!» وكنت أرى في ذهني المسخ وقد أمسك بي وراح يهزني بكل قوة. قاومته، وعندئذ سقطت على الأرض.
هرع هنري إلي، ولا بد أنه ساعدني في الوصول إلى فراشي، لكنني لا أتذكر أي شيء فقد أصبت بحمى لازمتني لفترة من الزمن. اعتنى هنري بي عناية بالغة، وقرر ألا يخبر أسرتي في الحال لأنه يعرف أنهم سيقلقون بشدة علي. لا ينشد المرء صديقا أفضل من هذا!
مرت الشهور دون أن أشعر، وملأت أفكار سيئة أحلامي، ومناظر بشعة للمسخ الذي صنعته. وتملكني الخوف مما فعلته ولا أستطيع أبدا إلغاءه وكأن لم يكن. تقلبت في فراشي كثيرا ليلة تلو الأخرى. ومكث هنري إلى جانبي ليل نهار، وكان يطعمني الحساء ويقرأ لي. تملكت الحمى مني بشدة حتى إن الأيام كانت تمر ولا أستطيع فيها أن أنهض من الفراش، فأصبحت غرفتي هي عالمي بأكمله، ونافذتي هي الطريقة الوحيدة التي عرفت منها أن العالم لا يزال موجودا.
وبالتدريج، بعد الكثير من نوبات الفزع، بدأت أشعر بالتحسن، وكانت ألمانيا في ذلك الحين في ذروة فصل الربيع؛ فالطيور تصدح فوق الأشجار وبدأت الأزهار تتفتح. وكدت لا أصدق أنني كنت سقيما طوال فصل الشتاء، فكيف انقضى كل هذا الوقت؟ ما الذي حدث للمسخ؟ ما الذي فعلته؟ طردت كل هذه الأفكار من ذهني وحاولت أن أفكر في حياتي السابقة على بدء تجاربي. كم استمتعت بوجودي بالخارج. كم لهونا أنا وهنري وإليزابيث حينما كنا صغارا. والآن تحسن مزاجي للغاية بسبب هذا الجو اللطيف جدا.
قلت في صباح أحد الأيام: «هنري! لقد أحسنت إلي أيما إحسان. وكان من المفترض أن تبدأ بالفعل دراستك، لكنك أمضيت فصل الشتاء كله تعتني بي.» ابتسم هنري لكنه لم ينبس ببنت شفة، لذا استرسلت في كلامي : «كيف سأرد لك هذا الإحسان؟»
صفحة غير معروفة