وأرسل علي بعض مواليه إلى زياد يستحثه على حمل ما عنده من المال، وكأن هذا المولى أثقل على زياد في الإلحاح، فنهره زياد، فرجع إلى الخليفة منكرا لأمر زياد وقال فيه فأكثر القول، فكتب علي إلى زياد واعظا مؤدبا:
إن سعدا ذكر لي أنك شتمته ظالما وجبهته تجبرا وتكبرا، وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : الكبرياء والعظمة لله. فمن تكبر سخط الله عليه، وأخبرني أنك مستكثر من الألوان في الطعام، وأنك تدهن في كل يوم، فماذا عليك لو صمت لله أياما وتصدقت ببعض ما عندك محتسبا، وأكلت طعامك في مرة مرارا أو أطعمته فقيرا؟! أتطمع وأنت متقلب في النعيم، تستأثر به على الجار المسكين والضعيف الفقير والأرملة واليتيم، أن يجب لك أجر الصالحين المتصدقين؟! وأخبرني أنك تتكلم كلام الأبرار وتعمل عمل الخاطئين، وإن كنت تفعل ذلك فنفسك ظلمت وعملك أحبطت، فتب إلى ربك وأصلح عملك واقتصد في أمرك، وقدم الفضل ليوم حاجتك إذا كنت من المؤمنين، وادهن غبا ولا تدهن رفها، فإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قال: ادهنوا غبا ولا تدهنوا رفها. والسلام.
وقد كره زياد هذه الوشاية به إلى الخليفة وحرص على أن يبرئ نفسه مما رمي به، فكتب إلى علي:
إن سعدا قدم علي فعجل، فانتهرته وزجرته، وكان أهلا لأكثر من ذلك، فأما ما ذكر من الإسراف في الأموال والتنعم واتخاذ الطعام، فإن كان صادقا فأثابه الله ثواب الصادقين، وإن كان كاذبا فلا أمنه الله عقوبة الكاذبين، وأما قوله إني أتكلم بكلام الأبرار وأخالف ذلك بالفعل، فإني إذن من الأخسرين عملا، فخذه بمقام واحد قلت فيه عدلا ثم خالفت إلى غيره، فإذا أتاك عليه بشهيد عدل وإلا تبين لك كذبه وظلمه.
ومعنى ذلك أن زيادا يرى نفسه قد قذف ظلما ويطلب إلى علي إنصافه من قاذفه وأخذه بإقامة البينة على ما ادعى.
وكتب إلى أشعث بن قيس يعزله عن أذربيجان، وكان قد وليها أيام عثمان، وبعض الرواة يقول: إن عثمان كان قد ترك له خراجها:
إنما غرك من نفسك إملاء الله لك، فما زلت تأكل رزقه وتستمتع بنعمه وتذهب طيباتك في أيام حياتك، فأقبل واحمل ما قبلك من الفيء ولا تجعل على نفسك سبيلا.
صفحة غير معروفة