وكان أمر مصقلة هذا من أوضح الأدلة وأقواها على طبيعة الطاعة التي كان كثير من أشراف أهل العراق يبذلونها لعلي، فقد التوى بدينه وحمل إلى ابن عباس، فلما طالبه ابن عباس بأداء الدين قال: «لو قد طلبت أكثر من هذا المال إلى ابن عفان ما منعني إياه.» ثم احتال حتى هرب من البصرة ولحق بمعاوية، فتلقاه معاوية أحسن لقاء وأطمعه وأرضاه، حتى طمع مصقلة في أن يحمل أخاه نعيم بن هبيرة على أن يلحق به. كتب إليه في ذلك مع رجل من نصارى تغلب يقال له جلوان، ولكن هذا النصراني لم يكد يبلغ الكوفة حتى عرف علي أمره وعرف أنه لا يبلغ الرسالة فحسب، وإنما يتجسس أيضا، فقطع يده ومات الرجل في إثر ذلك، فقال نعيم يخاطب أخاه:
لا تأمنن هداك الله عن ثقة
ريب الزمان ولا تبعث كجلوانا
ماذا أردت إلى إرساله سفها
ترجو سقاط امرئ ما كان خوانا
عرضته لعلي إنه أسد
يمشي العرضنة من آساد خفانا
قد كنت في منظر عن ذا ومستمع
تأوي العراق وتدعى خير شيبانا
لو كنت أديت مال القوم مصطبرا
صفحة غير معروفة