حين قسم الغنائم يوم حنين وتألف من تألف من العرب: «اعدل يا محمد فإنك لم تعدل.» وأعرض النبي عنه مرة ومرة، فلما أعاد مقالته للمرة الثالثة قال له النبي، وقد ظهر الغضب في وجهه: «ومن يعدل إذا لم أعدل ؟»
وهم بعض المسلمين بقتله فكفهم النبي عنه، وقال فيما يروي المحدثون والمؤرخون: «يخرج من ضئضئ هذا الرجل قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يتلون القرآن لا يتجاوز تراقيهم.»
وقد فرغ علي إذن من قتال الخوارج فقتلهم جميعا، إلا من انسل منهم إلى الكوفة أو اعتزل الحرب، وكان علي فرحا بهذا الانتصار، ولا سيما بعد أن رأى ذلك المخدج ذا الثدية الذي كان قبل ذاك من أشد الناس لزوما له وأكثرهم حرصا على مجالسته. وكان مما أرضى عليا أنه قد فرغ - فيما يرى - من عدوه المخالط له الذي كان خطرا على ما يترك في العراق من الأموال والعيال، وخطرا على الجيش نفسه يستطيع أن يأخذه من وراء، ويستطيع أن يقطع عليه رجعته إلى العراق.
ظن علي أن الأمور قد استقامت له فلم يبق إلا أن يرمي بجيشه هذا المنتصر أهل الشام، ولكن الشيء الذي لم يكن يفكر فيه علي، ولم ينتبه إليه أحد يومئذ، هو أن هذه الآلاف الثلاثة من الرجال الذين قتلوا كانوا كلهم من أهل العراق، أكثرهم من أهل الكوفة، وبعضهم من أهل البصرة، وليس منهم إلا من ينتمي إلى عشيرة في أحد هذين المصرين، وكثير منهم كانت عشائرهم في جيش علي ذاك الذي قتلهم، فقد كان عدي بن حاتم مثلا مع علي في النهروان، وكان ابنه زيد في الخوارج الذين قتلوا. وما أكثر أبناء الأعمام الذين قتل بعضهم بعضا في ذلك اليوم! وقل ما شئت في البواعث التي دفعت أولئك وهؤلاء إلى أن يقتل بعضهم بعضا، كانوا جميعا يخلصون في الدفاع عما كانوا يرون أنه الحق، وكانوا جميعا يصدرون عن شعور ديني صادق لا شك فيه، ولكنهم كانوا جميعا ناسا من الناس يجدون في قلوبهم ما يجد الإنسان من الحزن على فقد الابن والأخ والصديق، ويجدون ما يجد العربي في نفسه من الموجدة حين يقتل ابنه أو صديقه أو أخوه، ويشعرون كما كان يشعر ذلك الفارس الجاهلي حين قال:
فإن أك قد بردت بهم غليلي
فلم أقطع بهم إلا بناني
وكما كان يشعر جاهلي آخر حين قال:
قومي هم قتلوا أميم أخي
فإذا رميت أصابني سهمي
فلئن عفوت لأعفون جللا
صفحة غير معروفة