أشلهم بذي الكعوب شلا
وما زال عمار يدفعه وهو يتقدم حتى قتلا جميعا.
وقتل من أصحاب علي جماعة كثيرة من قراء الناس وصلحائهم، كانوا يقاتلون على بصائرهم، وكان الناس يرون منهم ذلك فيتأثرونهم ويفعلون فعلهم.
ولم يكن من قتل من أصحاب معاوية أقل أخطارا في أهل الشام ممن قتل من أصحاب علي في أهل العراق، كان كثير من أولئك وهؤلاء يرون القتال دينا ويتقربون به إلى الله، يذكر أهل العراق مكان علي من النبي وقول النبي لأصحابه: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» فلما قالوا له: بلى، أخذ بيد علي وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.» ويذكرون كذلك قول الله في القرآن الكريم:
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم
ثم يذكرون قول الله عز وجل:
قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين .
فهم كانوا يرون أنهم حين يقاتلون مع علي كأنهم يقاتلون مع النبي نفسه جهادا في سبيل الله، فليس الغريب إذن أن يطلبوا الشهادة ويتهالكوا عليها، وإنما الغريب أن يحجموا أو يدبروا أو يترددوا، وكان أصحاب معاوية يرون أن بيعة عثمان في أعناقهم وأن الذين قتلوه قد أحدثوا في الإسلام حدثا خطيرا، واستحلوا من دمه ما حرم الله، واستحلوا من الإمامة ما لا يحل للمسلمين أن يفرطوا فيه، فضلا عن أن ينتهكوا حرمته.
وكان معاوية وأصحابه قد ألقوا في روع كثير من أهل الشام أن عليا يحول بينهم وبين إقامة حد خطير من حدود الله وهو القصاص، فكان كثير منهم إذن يقاتل لا غضبا لمعاوية ولكن غضبا للدين الذي انتهكت حرمته وعطلت حدوده، ولم يقم علي في تقويم ما اعوج من أمره وإصلاح ما فسد من سيرة الناس فيه، فإذا أضيفت إلى هذا كله أمور أخرى لا ترجع إلى الدين ولا تتصل به، وإنما ترجع إلى العصبية العربية التي أخمدها عمر حينا، والتي شغلت عن نفسها بحرب العدو من الفرس والروم، ثم فرغت لنفسها منذ شبت نار الفتنة فعادت إلى حالها في الجاهلية الأولى، وجعلت كثيرا من العرب يذكرون قديمهم ويريدون أن يكون حديثهم ملائما له، واندفعوا فيما كانوا قد نهوا عنه من التفاخر والتكاثر والاعتداد بالنفس، وترجع كذلك إلى طلب الدنيا والحرص على متاعها وأعراضها، أقول: إذا أضفت هذا إلى الدوافع الدينية التي كانت تدفع القوم إلى القتال العنيف البشع، لم تنكر من شناعة هذه الحرب شيئا.
غلب على قوم دينهم فقاتلوا لنصره كما يقاتل المؤمنون الصادقون، وغلبت على قوم دنياهم فقاتلوا لاحتيازها كما يقاتل الطامعون الجامحون، وخلت في أثناء هذا كله الثغور أو كادت تخلو، فطمع أعداء المسلمين فيما لم يكن لهم أن يطمعوا فيه.
صفحة غير معروفة