الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري
الناشر
مكتبة الخانجي
مكان النشر
مصر.
تصانيف
ومن تلاميذ سعيد بن المسيب، ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ، الذي كان يستعمل الرأي كثيرًا حتى أضيف إليه، فقيل له: (ربيعة الرأي).
وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ شِهَابٍ يَتَحَرَّجُ مِنَ الرَّأْيِ، وَيَقُولُ لَهُ رَبِيعَةُ: «يَا أَبَا بَكْرٍ إِذَا حَدَّثْتَ النَّاسَ بِرَأْيِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُ رَأْيُكَ، وَإِذَا حَدَّثْتَ النَّاسَ بِشَيْءٍ مِنَ السُّنَّةِ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُ [سُنَّةٌ لَا يَظُنُّوا] أَنَّهُ رَأْيُكَ» (١).
ومع هذه المقاربة في المادة والمنهج بين الحجازيين والعراقيين، نلاحظ أن الحجازيين لا ينظرون بعين الرضا إلى العراقيين ويتهمونهم بالرأي. فسعيد بن المسيب - هذا الجريء على الفتوى والرأي - يضيق صدره بسؤال تلميذه ربيعة عندما يناقشه في أرش الأصابع، ويتهمه بأنه عراقي فيقول له: «أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟» فيسارع ربيعة بدفع التهمة عنه ويجيبه سعيد بقوله: «[إِنَّهَا] السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي»، مع أن مأخذهما إنما هو من قول زيد بن ثابت، كَمَا حَقَّقَ الطَّحَاوِيُّ ذَلِكَ (٢).
_________
(١) " جامع بيان العلم ": ٢/ ١٤٤، ١٤٥.
(٢) انظر " معاني الآثار ": ١/ ١٥٢ وجاء في " موطأ مالك " (*): أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ: «كَمْ فِي إِصْبَعِ الْمَرْأَةِ؟»، فَقَالَ: «[عَشْرٌ] مِنَ الإِبِلِ»، فَقُلْتُ: «كَمْ فِي إِصْبَعَيْنِ؟»، قَالَ: «عِشْرُونَ مِنَ الإِبِلِ»، فَقُلْتُ: «كَمْ فِي ثَلاَثٍ؟»، فَقَالَ: «ثَلاَثُونَ مِنَ الإِبِلِ»، فَقُلْتُ: «كَمْ فِي أَرْبَعٍ؟»، قَالَ: «عِشْرُونَ مِنَ الإِبِلِ»، فَقُلْتُ: «حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا، وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا، نَقَصَ عَقْلُهَا؟»، فَقَالَ سَعِيدٌ: «أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟»، فَقُلْتُ: «بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ، أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ»، فَقَالَ سَعِيدٌ: «هِيَ السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي».
وذلك أن جمهور أهل المدينة ذهبوا إلى أن عقل المرأة - أي ديتها - تساوي عقل الرجل إلى الثلث فإذا تجاوزته كانت على النصف من دية الرجل وقد رأى ربيعة أن هذا لا يحقق التكافؤ بين الجريمة والجزاء أو التلف والعوض. وقد ذهب الأحناف وغيرهم إلى أن دية الرجل في النفس وفيما دونها. (انظر " أسباب اختلاف الفقهاء " للشيخ علي الخفيف: ص ١٩٧ - ١٩٩ وقد أشار الشاطبي إلى هذه القصة في " الموافقات ": ٤/ ١٦٩.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) انظر " الموطأ " للإمام مالك بن أنس، (برواية يحيى بن يحيى الليثي):
- (٤٣) كِتَابُ العُقُولِ (١١) بَابُ مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الأَصَابِعِ، حديث غير مرقم، ٢/ ٨٦٠، طبعة سنة ١٤٠٦ هـ - ١٩٨٥ م، نشر دار إحياء التراث العربي. بيروت - لبنان. (تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي).
- (٢٩) كِتَابُ العُقُولِ (١١) مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الأَصَابِعِ، حديث رقم ٢٥٠٧، ٢/ ٤٣٠، الطبعة الثانية: ١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م، نشر دار الغرب الإسلامي. بيروت - لبنان. (تحقيق الدكتور بشار عواد معروف).
1 / 40