فقه العبادات للعثيمين

محمد بن صالح العثيمين ت. 1421 هجري
51

فقه العبادات للعثيمين

تصانيف

السؤال (٧٩): فضيلة الشيخ، أيضًا مما يتعلق بالطهارة الشك فيها، فما هو الشك في الطهارة، ومتى يكون مؤثرًا؟ الجواب: الشك في الطهارة نوعان: أحدهما: شك في وجودها بعد تحقق الحدث. والثاني: شك في زوالها بعد تحقق الطهارة أما الأول: وهو الشك في وجودها بعد تحقق الحدث، فأن يشك الإنسان هل توضأ أم لم يتوضأ، وهو يعتقد أنه أحدث لكن يشك هل توضأ أم لا، ففي هذه الحال نقول: ابن على الأصل، وهو أنك لم تتوضأ، ويجب عليك الوضوء. مثال ذلك: رجل شك عند أذان الظهر هل توضأ بعد نقض وضوئه في الضحى أم لم يتوضأ، يعني أنه نقض الوضوء في الساعة العاشرة مثلًا، ثم عند أذان الظهر شك، هل توضأ حين نقض وضوءه أم لا، فنقول له: ابن على الأصل، وهو أنك لم تتوضأ، ويجب عليك أن تتوضأ. أما النوع الثاني: وهو الشك في انتقاض الطهارة بعد وجودها، فإننا نقول أيضًا: ابن على الأصل، ولا تعتبر نفسك ناقضًا للوضوء. مثاله: رجل توضأ في الساعة العاشرة، فلما حان وقت الظهر شك، هل انقض وضوءه أم لا، فنقول له: إنك على وضوئك، ولا يلزمك الوضوء حينئذ، وذلك لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه، ويشهد لهذا الأصل قول النبي ﷺ فيمن وجد في بطنه شيئًا فأشكل عليه: أخرج منه شيء أم لا؟ " لا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" (١) . وأما الشك في فعل أو الشك في أجزاء الطهارة، مثل أن يشك الإنسان هل غسل وجهه في وضوئه أم لا، وهل غسل يديه أم لا، وما أشبه ذلك، فهذا لا يخلو من أحوال أربعة: الحال الأولى: أن يكون مجرد وهم طرأ على قلبه أنه: هل غسل يديه أم لم يغسلهما، وهمًا ليس له مرجح، ولا تساوى عنده الأمران، بل هو مجرد شيء خطر في قلبه، لهذا لا يهتم به، ولا يلتفت إليه. الحال الثانية: أن يكون كثير الشكوك، كلما توضأ شك، إذا كان الآن يغسل قدميه شك هل مسح رأسه أم لا؟ هل مسح أذنيه أم لا؟ هل غسل يديه أم لا؟ فهو كثير الشكوك، هذا أيضًا لا يلتفت إلى الشك ولا يهتم به. أما الحال الثالثة: أن يقع الشك بعد فراغه من الوضوء فإذا فرغ من وضوئه شك، هل غسل يديه أم لا؟ أو هل مسح رأسه، أو هل مسح أذنيه، فهذا أيضًا لا يلتفت إليه، إلا إذا تيقن أنه لم يغسل ذلك العضو المشكوك فيه، فيبني على يقينه. هذه ثلاث حالات لا يلتفت إليها في الشك. الحال الأولى: الوهم. الحال الثانية: أن يكون كثير الشكوك، الحال الثالثة: أن يكون الشك بعد الفراغ من العبادة، أي بعد فراغ الوضوء. أما الحال الرابعة: فهي أن يكون الشك شكا حقيقيًا، وليس كثير الشكوك، وحصل قبل أن يفرغ من العبادة، ففي هذه الحال يجب عليه أن يبني على اليقين وهو العدم، أي أنه لم يغسل ذلك العضو الذي شك فيه، فيرجع إليه ويغسله وما بعده، مثاله: لو شك وهو يمسح رأسه، هل تمضمض واستنشق أم لا، وهو ليس كثير الشكوك، وهو شك حقيقي ليس وهمًا، نقول له الآن: ارجع فتمضمض واستنشق، ثم اغسل يديك، ثم امسح رأسك وإنما أوجبنا عليه غسل اليدين مع أنه غسلهما من أجل الترتيب لأن الترتيب بين أعضاء الوضوء واجب، كما ذكر الله تعالى ذلك مرتبًا، وقال النبي ﵊ حين أقبل على الصفا: " ابدأ بما بدأ الله به" (٢)، هذا هو حال الشك في الطهارة. أنواع النجاسات الحكمية ومفهومها

(١) تقدم تخريجه ص (٥٨) (٢) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ، رقم (١٢١٨)، وهو جزء من حديث جابر العظيم في وصف حجة النبي ﷺ.

1 / 118