فقه العبادات للعثيمين

محمد بن صالح العثيمين ت. 1421 هجري
48

فقه العبادات للعثيمين

تصانيف

السؤالان (٧٠-٧١): فضيلة الشيخ، ما هي نواقض الوضوء؟ الجواب: قبل أن نذكر نواقض الوضوء، أحب أن أنبه إلى مسألة تخفى على كثير من الناس، وهي أن بعض الناس يظنون أن الاستنجاء أو الاستجمار من فروض الوضوء، فتجدهم يسألون كثيرًا عن الرجل ينقض الوضوء في أول النهار، ثم يؤذن أذان الظهر وهو لم ينقض وضوءه بعد، وهو لم يتوضأ حين نقض وضوءه أولًا، فيقول: إذا أذن الظهر هل أغسل فرجي مرة ثانية أو لا فنقول: لا تغسل فرجك، لأن غسل الفرج إنما هو لتطهيره من النجاسة عند البول أو الغائط، فإذا لم يحصل ذلك بعد التطهير الأول، فإنه لا يطهر، وحينئذ نعرف أنه لا علاقة بين الاستنجاء الذي هو غسل الفرج مما تلوث به من النجاسة، وبين الوضوء، وهذه مسألة أحب أن يتنبه لها. أما ما يتعلق بنواقض الوضوء: وهي مفسداته ومبطلاته، فنذكر منها: الغائط، والبول، والريح، والنوم، وأكل لحم الجزور. فأما الغائط والبول والنوم فقد دل عليها حديث صفوان بن عسال ﵁، قال: أمرنا رسول الله ﷺ: ألا ننزع خفافنا إذا كنا سفرًا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" (١)، وهذا تؤيده الآية الكريمة في الغائط حيث قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) (النساء: ٤٣) . وأما الريح: فلما جاء في حديث عبد الله بن زيد وأبي هريرة ﵄، فيمن أشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ قال النبي ﷺ: " لا ينصرف أولا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" (٢)، وهذا دليل على أن الريح ناقض للوضوء فهذه أربعة أشياء: البول، والغائط، والريح، والنوم. ولكن النوم لا ينقض الوضوء إلا إذا كان عميقًا، بحيث يستغرق النائم فيه، فلا يعلم عن نفسه لو خرج منه شيء، لأن النوم مظنة الحدث، وليس حدثًا في نفسه، فإذا نعس الإنسان في صلاته أو خارج صلاته، ولكنه يعي نفسه لو أحدث لأحس بذلك، فإنه لا ينتقض وضوءه ولو طال نعاسه، ولو كان متكئًا أو مستندًا أو مضطجعًا، لأن المدار ليس على الهيئة، ولكن المدار على الإحساس واليقظة، فإذا كان هذا الناعس يحس بنفسه لو أحدث، فإن وضوءه باق ولو كان متكئا أو مستندًا أو مضطجعًا، وما أشبه ذلك. وأما الخامس من نواقض الوضوء: فهو أكل لحم الإبل: لأن النبي ﷺ صح عنه أنه سئل: نتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم؟ قال " إن شئت" (٣)، فإجابته بنعم في لحم الإبل، وبأن شئت في لحم الغنم، دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعًا إلى مشيئته، بل هو أمر مفروض عليه، ولو لم يكن مفروضًا لكان راجعًا إلى المشيئة، وثبت عنه ﷺ "إنه أمره بالوضوء من لحم الإبل" (٤)، وعلى هذا فإذا أكل الإنسان لحم إبل انتقض وضوءه، سواء كان الأكل كثيرًا أم قليلًا، وسواء كان اللحم نيئًا أو مطبوخًا، وسواء كان اللحم من اللحم الأحمر الهبر أو من الأمعاء، أو من الكرش، أو من الكبد، أو من القلب، أو من أي شيء كان من أجزاء البدن، لأن الحديث عام لم يفرق بين لحم وآخر، والعموم في لحم الإبل كالعموم في لحم الخنزير، حين قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) (المائدة: ٣)، فإن لحم الخنزير هنا يشمل كل أجزاء بدنه، وهكذا لحم الإبل الذي سئل النبي ﷺ عن الوضوء منه، يشمل جميع أجزاء البدن، وليس في الشريعة الإسلامية جسد واحد تختلف أحكامه، فيكون جزء منه له حكم وجزء منه له حكم آخر، بل الجسم كله تتفق أجزاؤه في الحكم، ولا سيما على القول بأن نقض الوضوء بلحم الإبل علته معلومة لنا، وليس تعبدًا محضًا. وعلى هذا فمن أكل لحم إبل من أي جزء من أجزاء البدن وهو على وضوء، وجب عليه أن يجدد وضوءه، ثم اعلم أن الإنسان إذا كان على وضوء، ثم شك في وجود الناقض، بأن شك هل خرج منه بول أو ريح، أو شك في اللحم الذي أكله، هل هو لحم إبل أو لحم غنم، فإنه لا وضوء عليه، لأن النبي ﷺ سئل عن الرجل، يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: " لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" (٥)، يعني حتى يتيقن ذلك، ويدركه بحواسه إدراكًا معلومًا لا شبهة فيه، ولأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه حتى نعلم زواله، فالأصل أن الوضوء باق حتى نعلم زواله وانتقاضه.

(١) أخرجه الترمذي، كتاب الطهارة، باب في المسح على الخفين، رقم (٩٦)، والنسائي، كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر، رقم (١٢٧)، وابن ماجه، كتاب الطهارة، باب الوضوء من النوم، رقم (٤٧٨)، وأحمد في "المسند" (٤/٢٣٩، ٢٤٠) وقال الترمذي: حسن صحيح. (١) أخرجه الترمذي كتاب الطهارة، باب فبما بقال بعد الوضوء، رقم (٥٥)، وقال الترمذي: وهذا حديث في إسناده اضطراب ولا يصح عن النبي صلي الله عليه وسلم. في هذا الباب كبير شيء. اهـ. وانظر بحث الشيخ أحمد شاكر حول هذا الحديث في الحاشية (١/٧٨-٨٣) . (٢) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، رقم (١٣٧)، ومسلم، كتاب الحيض، باب الدليل على أن من تيقن الطهارة، ثم شك في الحدث، رقم (٣٦١) . (٣) أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب الوضوء من لحوم الإبل، رقم (٣٦٠) . (٤) أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء من لحوم الإبل، رقم (١٨٤)، والترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل، رقم (٨١)، وأحمد في المسند (٤/٢٨٨) وصححه الألباني في الإرواء (١/١٥٢) . (٥) تقدم تخريجه ص (٥٨) .

السؤال (٧٢): فضيلة الشيخ، ولكن بالنسبة للنوم هل هناك فرق بين نوم الليل ونوم النهار؟ الجواب: ليس هناك فرق بين نوم الليل والنهار، لأن العلة واحدة وهي زوال الإحساس، وكون الإنسان لا يحس بنفسه لو خرج منه شيء. موجبات الغسل
السؤال (٧٣): فضيلة الشيخ، ما هي موجبات الغسل؟ وما صفته؟ الجواب: أما صفة الغسل فعلى وجهين: صفة واجبة وهي أن يعم بدنه كله بالماء، ومن ذلك المضمضة والاستنشاق، فإذا عمم بدنه بالماء على أي وجه كان، فقد ارتفع عنه الحدث الأكبر، والوجه الثاني: صفة كاملة، وهي أن يغتسل كما اغتسل النبي ﷺ، فإذا اغتسل من الجنابة، فإنه يغسل كفيه، ثم يغسل فرجه، وما تلوث من الجنابة، ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا، على صفة ما ذكرنا في الوضوء، ثم يغسل رأسه بالماء ثلاثًا تروية، ثم يغسل بقية بدنه، هذه صفة الغسل. أما موجبات الغسل فمنها: إنزال المني بشهوة يقظة أو منامًا لكنه في المنام يجب عليه الغسل وإن لم يحس بالشهوة، لأن النائم قد يحتلم ولا يحس بنفسه، فإذا خرج منه المني بشهوة وجب عليه الغسل بكل حال. الثاني: الجماع، فإذا جامع الرجل زوجته وجب عليه الغسل، والجماع يكون بأن يولج الحشفة في فرجها، فإذا أولج الحشفة في فرجها فعليه الغسل، لقول النبي صلى عليه وسلم عن الأول: " الماء من الماء" (١)، يعني أن الغسل يجب من الإنزال، وقوله عن الثاني: " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها، فقد وجب الغسل وإن لم ينزل" (٢) . وهذه المسألة أعني الجماع بدون إنزال يخفى حكمها على كثير من الناس، حتى إن بعض الناس تمضي عليه الأسابيع أو الشهور، وهو يجامع زوجته بدون إنزال ولا يغتسل جهلًا منه، وهذا أمر له خطورته، فالواجب على الإنسان أن يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله، فإن الإنسان إذا جامع زوجته وإن لم ينزل، وجب الغسل عليه وعليها، للحديث الذي أشرنا إليه آنفًا. ومن موجبات الغسل: خروج دم الحيض والنفاس، فإن المرأة إذا حاضت ثم طهرت، وجب عليها الغسل، لقول الله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) (البقرة: ٢٢٢) . ولأمر النبي ﷺ المستحاضة إذا جلست قدر حيضها أن تغتسل (٣) والنفساء مثلها، فيجب عليها أن تغتسل. وصفة الغسل من الحيض والنفاس كصفة الغسل من الجنابة، إلا أن بعض أهل العلم استحب في غسل الحائض، أن تغتسل بالسدر، لأن ذلك أبلغ في نظافتها وتطهيرها. وذكر بعض العلماء أيضًا من موجبات الغسل: الموت، مستدلين بقول النبي ﷺ للنساء اللاتي كن يغسلن ابنته: " اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك" (٤)، وقوله ﷺ في الرجل الذي وقصته راحلته بعرفة وهو محرم: "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين" (٥)، فقالوا: إن الموت موجب للغسل، ولكن الوجوب هنا يتعلق بالحي، لأن الميت انقطع تكليفه بموته. ومعنى يتعلق بالحي، أن الحي هو الذي يوجه إليه الأمر بأن يغسل الميت، فالميت هو الذي يغسل، والحي هو الذي يغسله، فعلى الأحياء أن يقوموا بما وجب عليهم من تغسيل موتاهم، لأمر النبي ﷺ بذلك. حكم المسح على الخفين وشروطه

(١) أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب إنما الماء من الماء رقم (٣٤٣) . (٢) أخرجه البخاري، كتاب الغسل، باب إذا التقى الختانان، رقم (٢٩١) ومسلم، كتاب الحيض، باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين، رقم (٣٤٨) . (٣) أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، رقم (٣٣٤) . (٤) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب غسل الميت ووضوئه بالماء، رقم ١٢٥٣)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، رقم (٩٣٩) . (٥) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب الكفن في ثوبين، رقم (١٢٦٥)، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، رقم (١٢٠٦) .

السؤال (٧٤): فضيلة الشيخ، ما هو حكم المسح على الخفين وشروط ذلك؟ الجواب: المسح على الخفين مما تواترت به السنة عن النبي ﷺ، كما قيل: مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتًا واحتسب ورؤية شفاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض بل دل عليه القرآن في قوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (المائدة: ٦)، على قراءة الجر، وهي قراءة صحيحة سبعية، ووجه ذلك أن قوله: (وَأَرْجُلَكُمْ)، بالجر، معطوف على قوله (بِرُؤُوسِكُمْ) والعامل في قوله (بِرُؤُوسِكُمْ) قوله (امْسَحُوا) وعلى هذا فيكون المعنى: " امسحوا برؤوسكم وامسحوا بأرجلكم"، ومن المعلوم أن المسح مناقض للغسل، فلا يمكن أن نقول: إن الآية دالة على وجوب الغسل الدال عليه قراءة النصب (وَأَرْجُلَكُمْ)، ووجوب المسح في حال واحدة، بل تتنزل الآية على حالين، والسنة بينت هاتين الحالين، فبينت أن الغسل يكون للرجلين إذا كانتا مكشوفتين، وأن المسح يكون لهما إذا كانتا مستورتين بالجوارب والخفين، وهذا الاستدلال ظاهر لمن تأمله. على كل حال، المسح على الخفين وعلى الجوارب وهي ما يسمى بالشراب ثابت ثبوتًا لا مجال للشك فيه، ولهذا قال الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء، يعني ليس عندي فيه شك بوجه من الوجوه، ولكن لابد من شروط لهذا المسح: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة، ودليله: حديث المغيرة بن شعبة ﵁، قال: كنت مع النبي ﷺ في سفر فتوضأ، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين" (١) ومسح عليها، فإن لبسهما على غير طهارة وجب عليه أن يخلعهما عند الوضوء ليغسل قدميه، لأن النبي ﷺ علل عدم خلعهما عند الوضوء ومسح عليهما، علله بأنه لبسهما على طهارة: "أدخلتهما طاهرتين". الشرط الثاني: أن يكون ذلك في المدة المحددة شرعًا، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وتبتدئ هذه المدة من أول مرة مسح بعد الحدث إلى آخر المدة فكل مدة مضت قبل المسح فهي غير محسوبة على الإنسان، حتى لو بقي يومين أو ثلاثة على الطهارة التي لبس فيها الخفين أو الجوارب، فإن هذه المدة لا تحسب، لا يحسب له إلا من ابتداء المسح أول مرة إلى أن تنتهي المدة، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر، كما ذكرناها آنفًا. مثال ذلك: رجل لبس الخفين أو الجوارب حين توضأ لصلاة الفجر من يوم الأحد، وبقي على طهارته إلى أن صلى العشاء، ثم نام، ولما استيقظ لصلاة الفجر يوم الاثنين مسح عليهما، فتبتدئ المدة من مسحه لصلاة الفجر يوم الاثنين، لأن هذا أول مرة مسح بعد حدثه، وتنتهي بانتهاء المدة التي ذكرناها آنفًا. الشرط الثالث: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر لا في الجنابة، فإن كان في الجنابة فإنه لا مسح، بل يجب عليه أن يخلع الخفين ويغسل جميع بدنه، لحديث صفوان بن عسال ﵁ قال: " أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم" (٢)، وثبت في صحيح مسلم من حديث علي ﵁، أن النبي ﷺ وقت المسح " يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر" (٣) . فهذه الشروط الثلاثة لابد منها لجواز المسح على الخفين، وهناك شروط أخرى اختلف فيها أهل العلم، ولكن القاعدة التي تبنى عليها الأحكام: أن الأصل براءة الذمة من كل ما يقال من شرط أو موجب أو مانع، حتى يقوم عليه الدليل. شروط الممسوح عليه

(١) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، رقم (٢٠٦)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، رقم (٢٧٤) . (٢) تقدم تخريجه ص (٥٧) . (٣) أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين، رقم (٢٧٦) .

1 / 114