44

فقه أشراط الساعة

الناشر

الدار العالمية للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

السادسة

سنة النشر

١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م

تصانيف

فهذا غاية أجل التوبة في حق عمر الدنيا، أما غايته في حق كل إنسان فَبَيَّنهُ قول النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» (١)، أي: ما لم تبلغ رُوْحُهُ حُلْقُومَهُ. وعليه فإن الواجب على المؤمن أن يميز بين ما يَعْنيْه، وما لا يَعْنيْه، وقد قال رسول الله ﷺ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» (٢). ومن صور اشتغال المرء بما لا يعنيه أن يديمَ البحث: متى الساعة؟ مع أنه غيب استأثر الله بعلمه، وإنما اشتغالُهُ بما يعنيه في هذا الباب أن يجتهدَ في الإعداد للساعة والتهيؤ لها، وبخاصة الساعة الخاصة به (٣)؛ وهي لحظة موته؛ ولذلك لما سأل رجل النبي ﷺ: "يا نبي الله متى الساعة؟ " لم يلتفت إلى سؤاله، وأرشده إلى الاشتغال بما يعنيه، وهو قوله ﷺ: "مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ ... " (٤) الحديث.

(١) رواه الأمام أحمد (٩/ ١٧ - ١٨)، (٦١٦٠)، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر. (٢) أخرجه من حديث أبي هريرة ﵁ الترمذي (٢٣١٨)، وابن ماجه (٣٩٧٦)، وحسنه النووي -رحمه الله تعالى-. (٣) وهي التي قال فيها ﷺ: "بادروا بالأعمال ستًا" ذكر منها: "وَخُوَيصَةَ أحَدِكُم" أي: ساعة موته الخاصة به، وعن أم المؤمنين عائشة ﵂، قالت: "كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله ﷺ سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم، فقال: إن يعش هذا، لم يدركه الهرم، قامت عليكم ساعتكم"، رواه مسلم (٢٩٥٢)، يعني يموت ذلك القرن، أو أولئك المخاطبون، وانظر: "فتح الباري" (١٠/ ٥٥٦)، وراجع: بيان "الراغب" لمعاني الساعة، ص (١٨ - ٢٠). (٤) رواه البخاري (٦١٦٧)، (١٠/ ٥٥٣)، ومسلم (٢٦٣٩)، (١٦٣).

1 / 44