فقه النوازل
الناشر
مؤسسة الرسالة
رقم الإصدار
الأولى - ١٤١٦ هـ
سنة النشر
١٩٩٦ م
تصانيف
لا في التوفيق، وبالله التوفيق.
ثم أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يحَكِّمُوا
رسولَه في كل ما شَجَر بينهم من الدقيق والجليل، ولم يكتف في إيمانهم
بهذا التحكيم بمجرده حتى ينتفي عن صدورهم الحَرَجُ والضّيق عن قضائه
وحكمه، ولم يكتف منهم أيضًا بذلك حتى يسلموا تسليمًا، وينقادوا
انقيادًا.
وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا
أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار
بعد قضائه وقضاء رسوله، ومَنْ تخير بعد ذلك فقد ضَلَّ ضلالًا مبينًا.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي لا تقولوا حتى يقول، ولا تأمروا حتى
يأمر، ولا تُفتُوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمرًا حتى يكون هو الذي يحكم فيه
ويُمْضِيه، روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﵄: لا
تقولوا خِلافَ الكتاب والسنة، وروى العوفي عنه قال: نُهُوا أن يتكلموا بين
يدي كلامه.
والقول الجامع في معنى الآية لا تعجلوا بقول ولا فعل قبل أن يقول
رسول الله ﷺ أو يفعل.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ
وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ فإذا كان رَفْعُ أصواتهم فوق صوته سببًا لحبوط أعمالهم
فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياساتهم ومعارفهم على ما جاء به
1 / 63