فقه النوازل
الناشر
مؤسسة الرسالة
رقم الإصدار
الأولى - ١٤١٦ هـ
سنة النشر
١٩٩٦ م
تصانيف
لأن القاضي عرضة للخطأ وهو مأجور على كلا الحالين، وهذا سيد الأولين
والآخرين يقول إنكم تختصمون إلي ... الحديث، فالقاضي إذا حكم في
خصومة لديه بحكم اجتهادي على أحد القولين أو الأقوال. وفي قضية
أخرى حكم بالقول الثاني فيها مُبينًا وجه عدوله عن القول الأول، فلا ينبغي
علينا التثريب عليه، فإن حكمه الأول هو لتلك القضية فلا يسري على
غيرها وحكمه في كلا القضيتين نافذ ظاهرًا والله أعلم.
قال الموفق ﵀ (١): (وروى أن عمر حكم في المشركة بإسقاط
الإخوة من الأبوين ثم شرك بينهم بعد وقال تلك على ما قضينا، وهذه على
ما نقضي وقضى بالجد بقضايا مختلفة ولم يرد الأولى، ولأنه يؤدي إلى نقض
الحكم بمثله، وهذا يؤدي إلى ألا يثبت الحكم أصلًا، لأن الحكم الثاني
يخالف الذي قبله والثالث يخالف الثاني فلا يثبت حكمه) . انتهى.
وقال البيهقي في سننه (٢) باب من اجتهد من الحكام ثم تغير اجتهاده
أو اجتهاد غيره فيما يسوغ فيه الاجتهاد ولم يرد ما قضى به، وذكر آثارًا منها
أثر عمر المتقدم ذكره.
هذا ما ينبغي أمام من صار فيه شيء من ذلك على فرض وقوعه، فإنه
ظاهرًا مجتهد في عين ذلك الحكم متحر للحق والله تعالى يتولى بواطن
الأمور، والكل مؤمن حق الإيمان بالمراحل الإنسانية وما فيها من الوعد لمن
أطاع والوعيد لمن عصى وحكم بالهوى، وفي الحديث الصحيح عن بريدة
﵁ أن رسول الله ﷺ قال: " القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد
في الجنة " وفيه " رجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في
_________
(١) المغني ٩ / ٥٧.
(٢) السنن الكبرى ١٠ / ١٢٠.
1 / 51