فقه النوازل
الناشر
مؤسسة الرسالة
رقم الإصدار
الأولى - ١٤١٦ هـ
سنة النشر
١٩٩٦ م
تصانيف
اللفظ، وبهذا الاختصار، مع ما فيها من الحكمة البالغة، واشتمالها على
نَفْي الكفر، وإثبات التوحيد، وإزالة الشرك، ووجوب الإيمان. فلما قالها
ﷺ، ودعا الناس إليها، استعظمت العرب ذلك، لأنهم يُسَمُّون أصْنَامهم
آلِهَة، فقال الله ﷿ حكاية عنهم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ. وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ. بَلْ جَاءَ بِالحَقِّ
وَصَدَّقَ المُرْسَلِينَ﴾ يعني جاء بها وهي الحق. وهي تشتمل على هذه
المعاني التي ذكرناها، وإلى ذلك دعا المُرسَلون، ولكن لم يوردها على
هذا اللفظ بهذا الكمال والاختصار مشتملة على هذه المعاني. فلما قالها
ﷺ قَبِلَها أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس، وجامَعوه على
الإقرار بها، وبايَنُوه على الكلمة المقرونة بها: " محمد رسول الله " فكانوا
على الإقرار بالأولى مؤمنين بالله، وعلى إنكارهم الثانية مشركين. قال الله
تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ .
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾:
هي أية أنزلها الله على محمد رسول الله ﷺ، وجعلها فاتِحَة كتابه
وفاتحة كل سورة، فصار ذلك قُدْوَة لجميع الأمم قد تَرَاضَوْا بها، واتبعوا
رسول الله ﷺ على ذلك، فجعلوها فاتحة كتبهم مُصَدَّرة في صَدْر [٦٢]
كل كتاب مُسْتَحْسَنَة عندهم. قد أقَرُّوا بفَضْلها حتى إن كل كتاب لم يفْتَتح
بها هو عندهم ناقِصٌ مَبْتُور، مَسْلوبُ البَهَاء مَهجور ولم يكن ذلك لسائر
الأمم ولا عرفوها إلا ما ذكره الله ﷿ في كتابه أن سليمان ﵇
كتب بها إلى بلْقيس ولم يُدَوِّنها هذا التدوين، ولا زَيَّنُوا بها كُتبهم هذا
التزيين، ولا عرفوا لها الفَضْل المُبِين، حتى جاءَ الله بالإسلام، وأحْكَمَها
على لِسان رسوله محمد ﷺ، فقَبِلتْهَا الأمم أحسن قبول، وصار فَصْلها في
كتبهم أفضل فُصُول.
1 / 136