فقه الأدعية والأذكار

الناشر

الكويت

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٢٣هـ/٢٠٠٣م

تصانيف

المجلد الأول مقدمة ... فقه الأدعية والأذكار بقلم: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمَّدًا عبده ورسوله. ﴿يَأَيّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ . ﴿يَأُيَّهَا النَّاسُ اتّقُوا رَبَّكمُ الَّذي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً واتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ . ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكمْ ويَغْفِرْ لَكمْ ذُنوبَكُمْ ومَن يُطِعِ اللهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ . أمَّا بعد: فلا ريب أنَّ ذِكر الله ودعاءه هو خير ما أُمضيت فيه الأوقات وصُرفت فيه الأنفاس، وأفضل ما تقرّب به العبدُ إلى ربّه ﷾، وهو مفتاحٌ لكلِّ خير يناله العبد في الدنيا والآخرة "فمتى أعطى (الله) العبدَ هذا المفتاح فقد أراد أنْ يفتح له، ومتى أضلَّه بقي باب الخير مُرْتَجًا دونه"١ فيبقى مضطربَ القلب، مُشَوَّشَ الفؤاد، مُشَتَّتَ الفِكر، كثيرَ القلَقِ، ضعيفَ الهِمَّةِ والإرادةِ، أمّا إذا كان محافظًا

١ الفوائد لابن القيم (ص:١٢٧) .

1 / 5

على ذِكر الله ودعائه وكثرةِ اللجأ إليه فإنَّ قلبَه يكون مطمئنًا بذكره لربِّه ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ ١، وينال من الفوائد والفضائل والثمار الكريمة اليانعة في الدنيا والآخرة ما لا يحصيه إلاَّ الله تعالى. فذِكر إلَهِ العرشِ سرًّا ومعلنًا ... يُزِيلُ الشَّقَا والهَمَّ عنك ويَطردُ ويجلبُ للخيراتِ دنيا وآجلًا ... وإنْ يأتِك الوَسواسُ يومًا يشَرَّدُ فقد أخبَر المختارُ يومًا لصحبِه ... بأنَّ كثيرَ الذِّكرِ في السَّبق مُفرِدُ ووَصَّى معاذًا يَستَعين إلهه ... على ذكرِه والشكر بالحسن يعبدُ وأوصى لشخصٍ قد أتى لنصيحةٍ ... وقد كان في حمْل الشرائِعِ يَجْهَدُ بأنْ لا يزالَ رطبًا لسانُك هذه ... تُعينُ على كلِّ الأمورِ وتُسعِدُ وأخبَرَ أنَّ الذِكرَ غَرسٌ لأهلِه ... بجنَّاتِ عَدن والمساكنُ تُمْهَدُ وأخبَر أنَّ الله يذكرُ عبدَهُ ... ومَعْهُ عى كلِّ الأمرِ يُسَدِّدُ وأخبَر أنَّ الذِّكرَ يبقى بجنّة ... ويَنقطعُ التَّكليفُ حين يُخلَّدُوا ولو لَم يكنْ في ذِكره غيرَ أنَّه ... طريقٌ إلى حبِّ الإلَه ومُرشِدُ ويَنهَى الفتَى عن غِيبةٍ ونَميمةٍ ... وعن كلِّ قولٍ للدِّيانَةِ مُفسِدُ لكان لنَا حَظٌّ عظيمٌ ورغبةٌ ... بكثرةِ ذكرِ الله نعمَ المُوَحَّدُ ولكنَّنَا من جَهلِنا قلَّ ذِكرُنا ... كما قلَّ منَّا للإلَه التَّعبُّدُ٢ ولهذا فإنَّ الأذكارَ الشرعية والأدعية النبويّة لها منزلةٌ عاليةٌ في

١ سورة الرعد، الآية: (٢٨) . ٢ ناظم هذه الأبيات هو الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ﵀.

1 / 6

الدِّين، ومكانةٌ خاصّةٌ في نفوس المسلمين، وكُتُبُ الأذكار على تنوُعها تلقى في أوساطهم اهتمامًا بالغًا وعنايةً فائقةً، ولا يمكن إحصاءُ ما كتبه أهلُ العلم قديمًا وحديثًا في الذِّكر والدعاء لكثرة ما أُلِّف في ذلك، فمنهم الراوي الأخبارَ بالأسانيد، ومنهم الحاذف لها، ومنهم المطوِّل المسهب، ومنهم المختصِر والمتوسِّط والمهذِّب، مع تفاوت بينهم في جمع النصوص، وعرض الأدلة، وطرق تبويبها وتصنيفها، والاهتمام بشرحها وتوضيحها، إلى غير ذلك. ناهيك أنَّ أهل الأهواء لهم في هذا الباب مؤلّفات كثيرة مشتملة على الشططِ والانحراف والبعدِ عن الحقِّ، بسبب عدم تقيّد مؤلِّفيها بالسنة وإعراضهم عن الالتزام بالمأثور. هذا وقد دلَّ الكتابُ والسنَّةُ وآثارُ السلف على جنس المشروع والمستحبِّ في ذِكر الله ودعائه كسائر العبادات، وبيَّن النبيُّ ﷺ لأمّته ما ينبغي لهم أن يقولوه من ذِكر ودعاء في الصباح والمساء، وفي الصلوات وأعقابها، وعند دخول المسجد، وعند النوم، وعند الانتباه منه، وعند الفزع فيه، وعند تناول الطعام وبعده، وعند ركوب الدابَّة، وعند السفر، وعند رؤية ما يحبّه المرء، وعند رؤية ما يكره، وعند المصيبة، وعند الهمِّ والحزن، أو غير ذلك من أحوال المسلم وأوقاته المختلفة. كما بيّن صلوات الله وسلامه عليه مراتب الأذكار والأدعية وأنواعَها وشروطَها وآدابها أتمَّ البيان وأكمله، وترك أمَّتَه في هذا الباب وفي جميع أبواب الدين على محجّة بيضاء، وطريق واضحة، لا يزيغ عنها

1 / 7

بعده إلاَّ هالك، و"لا ريب أنَّ الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحرّاه المتحرِّي من الذِّكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبِّر عنه لسان، ولا يحيط به إنسان، وما سواها من الأذكار قد يكون محرَّمًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون فيه شرك ممَّا لا يهتدي إليه أكثرُ الناس، وهي جملة يطول تفصيلها"١. فالمشروع للمسلم هو أن يذكرَ الله بما شرع، وأن يدعوَ بالأدعية المأثورة، وقد نهى الله عن الاعتداء في الدعاء، فينبغي لنا أن نتبّع فيه ما شُرع وسنَّ، كما أنَّه ينبغي لنا ذلك في غيره من العبادات، وأنْ لا نعدل عن ذلك إلى غيره "ومن أشدِّ الناس عيبًا من يتّخذ حزبًا ليس بمأثور عن النبي ﷺ وإن كان حزبًا لبعض المشايخ، ويَدَعُ الأحزاب النبوية التي كان يقولها سيِّد بني آدم، وإمام الخلق وحجّة الله على عباده"٢، فالخير كلُّه في اتباعه، والاهتداء بهديه، وترسُّم خطاه، فهو القدوة والأسوة صلوات الله وسلامه عليه، وقد كان أكملَ الناس ذِكرًا لله وأحسنَهم قيامًا بدعائه سبحانه. ولهذا فإنَّه إذا اجتمع للعبد في هذا الباب لزومُ الأذكار النبوية والأدعية المأثورة مع فهم معانيها ومدلولاتها، وحضورِ قلبٍ عند الذِّكر فقد كمل نصيبُه من الخير.

١ مجموع الفتاوى لابن تيمية (٢٢/٥١٠،٥١١) . ٢ مجموع الفتاوى لابن تيمية (٢٢/٥٢٥) .

1 / 11

قال ابن القيّم ﵀: "وأفضل الذِّكر وأنفعُه ما واطأ القلبُ اللسانَ، وكان من الأذكار النبوية، وشهد الذَّاكر معانيه ومقاصده"١. ولَمّا كان الأمر بهذه المنزلة وعلى هذا القدر من الأهمية نشأ عندي رغبةٌ في أنْ أعدَّ وأقدِّم - مع الاعتراف بالعجز وعدم الأهلية - دراسةً في الأذكار والأدعية النبوية في بيان فقهها وما اشتملت عليه من معان عظيمة، ومدلولات كبيرة، ودروس جليلة، وعِبرة مؤثّرة، وحِكم بالغة، واجتهدتُ في جمع كلام أهل العلم في ذلك، فاجتمع عندي من ذلك بحمد الله فوائدُ كثيرةٌ ولطائفُ عديدةٌ وتنبيهاتٌ دقيقةٌ من كلام أهل العلم المحقّقين، ولا سيما الإمامين الجليلين شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، ثمَّ نظَّمتُ ما اجتمع عندي من ذلك وألّفتُ بينه، وجعلته بعنوان: "فقه الأدعية والأذكار" وقد أُذيع جزءٌ كبير منه في حلقات عبر الإذاعة المباركة، إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية - حرسها الله - ولا يزال مستمرًّا عرضُه حتى الآن، وقد رغِب غيرُ واحد من مشايخي وإخواني أن أقوم بنشره مطبوعًا ليتنوّع مجالُ نفعه، ولتكثر فائدته، فأجريت عليه تعديلات يسيرة في أسلوبه ليكون مناسبًا للنشر، وجعلتُ لكلِّ حلقة عنوانًا خاصًا يدلُّ على مضمونها، ويُرشد إلى موضوعها، وسوف يصدر - بإذن الله - في مجموعات متناسبة الحجم والموضوع، وهذا هو القسم الأول منه، وإني لأرجو الله الكريم أن يتقبَّل مني هذا العمل

١ الفوائد لابن القيم (ص:٢٤٧) .

1 / 12

وسائر أعمالي، وأن يُبارك فيه، وأن يجعله نافعًا لعباده المسلمين، فهو سبحانه سميع الدعاء، وأهل الرجاء، وهو حسبنا نِعم الوكيل. ولا يفوتني في هذا المقام أن أتقدّم بالشكر الجزيل لسماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله تعالى، الذي تفضَّل مشكورًا بقراءة هذا الكتاب والتعليق عليه١ والتقديم له على كثرة أعماله، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في موازين حسناته وأن يجزيه عنَّا وعن المسلمين خير الجزاء، إنَّه سميع مجيب. وكتب: عبد الرزاق البدر غفر الله له، وعفا عنه، ورحمه، ووالديه وجميع المسلمين.

١ وقد جعلتُ تعليقاته حفظه الله بين معقوفين [] في داخل المتن.

1 / 13

١ / أهميّةُ الذِّكر وفضله غيرُ خافٍ على كلِّ مسلم أهميّةُ الذكر وعظيمُ فائدته؛ إذ هو من أجلِّ المقاصد وأنفع الأعمال المقرِّبة إلى الله تعالى، وقد أمر الله به في القرآن الكريم في مواطن كثيرة، ورغّب فيه، ومدح أهله وأثنى عليهم أحسن الثناء وأطيبه. يقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ ١، ويقول تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكَمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكَمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ ٢، ويقول تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ ٣، ويقول تعالى: ﴿وَالذَاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ ٤. فأمر تعالى في هذه الآيات بذكره بالكثرة، وذلك لشدّة حاجة العبد إلى ذلك وافتقاره إليه أعظم الافتقار، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فأيُّ لحظة خلا فيها العبدُ عن ذِكر الله ﷿ كانت عليه لا له، وكان خسرانه فيها أعظمَ ممّا ربح في غفلته عن الله، وندم على ذلك ندمًا شديدًا عند لقاء الله يوم القيامة.

١ سورة الأحزاب، الآية: (٤١) . ٢ سورة البقرة، الآية: (٢٠٠) . ٣ سورة آل عمران، الآية: (١٩١) . ٤ سورة الأحزاب، الآية: (٣٥) .

1 / 11

بل لقد ثبت عن النبي ﷺ كما في شعب الإيمان للبيهقي، والحلية لأبي نعيم من حديث أم المؤمنين عائشة ﵂ أنَّه قال: " ما من ساعة تمرُّ بابن آدم لا يذكر الله تعالى فيها إلاّ تحسّر عليها يوم القيامة"١. والسُّنّةُ مليئةٌ بالأحاديث الدّالة على فضل الذِّكر، ورفيع قدره، وعلوِّ مكانته، وكثرةِ عوائده وفوائده على الذّاكرين الله كثيرًا والذّاكرات. فقد أخرج الترمذي، وابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذّهبي، عن أبي الدرداء ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "ألا أنبِّئُكم بخير أعمالِكم، وأزكاها عند مَليكِكم، وأرفعها في درَجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهبِ والورِق، وخيرٌ لكم من أن تلقَوا عدوَّكم فتضرِبوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله"٢. وروى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنّه قال: "سبق المُفرِّدون، قالوا: وما المُفرِّدون يا رسول الله؟ قال: الذّاكرون الله كثيرًا والذّاكرات" ٣.

١ شعب الإيمان (رقم:٥٠٨)، الحلية (٥/٣٦٢)، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم:٥٧٢٠) . ٢ سنن الترمذي (رقم:٣٣٧٧)، سنن ابن ماجه (٣٧٩٠)، والمستدرك (١/٤٩٦)، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم:٢٦٢٩) . ٣ صحيح مسلم (رقم:٢٦٧٦) .

1 / 12

وروى البخاري عن أبي موسى الأشعري ﵁ عن النبي ﷺ قال: " مَثلُ الذي يذكُرُ ربَّه والّذي لا يذكرُ ربّه مثَلُ الحيِّ والميِّت"١. والأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ، ولعلّ من المناسب هنا والحديث ماضٍ بنا في فضل الذكر أن ألخِّص بعض ما ذكره أهلُ العلم من فوائد لذكر الله تعالى يَجنيها الذّاكرون في حياتهم الدُّنيا ويوم القيامة، ومن أحسن من رأيتُه تكلَّم في هذا الموضوع وجمع أطرَافَه، ولمَّ شَتاتَه الإمامُ العلاّمةُ ابن القيِّم ﵀ في كتابه العظيم الوابل الصيِّب من الكَلِمِ الطيِّب، وهو مطبوعٌ طبعاتٌ كثيرةٌ، ومُتَداوَلٌ بين أهل العلم وطلاّبه، فقد قال ﵀ في كتابه المذكور٢: وفي الذِّكر أكثرُ من مائة فائدة ...، ثمّ أخذ يعدِّد فوائد الذِّكر، فذكر ما يزيد على السبعين فائدة، كلُّ واحدة منها بمفردها كافيةٌ لحفز النُّفوس وتحريك الهِمم للاشتغال بالذِّكر، كيف وقد اجتمعت تلك الفوائد الكُثار والعوائد الغِزار، والأمر فوق ما يصفه الواصفون، ويعدُّه العادُّون ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهْمْ مِن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ٣.

١ صحيح البخاري (رقم:٦٤٠٧) . (ص:٨٤) . ٣ سورة السَّجدة، الآية: (١٧) .

1 / 13

ولعلّي أذكر لك أخي المسلم هنا فائدةً واحدةً من فوائد الذِّكر مما ذكره ﵀، على أن أستكمل لك بعض هذه الفوائد إن شاء الله، مع وصيَّتي لك باقتناء الكتاب المذكور والانتفاع به، فهو حقًّا كتابٌ عظيم النَّفع، كبيرُ الفائدة. ـ فمن فوائد الذِّكر: أنّه يطردُ الشيطان ويقمعُه ويكسِرُه١، يقول الله تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ ٢، ويقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ ٣. وثبت في مسند الإمام أحمد، وسنن الترمذي، ومستدرك الحاكم وغيرها بإسناد صحيح، من حديث الحارث الأشعري عن النبي ﷺ أنَّه قال: " إنّ اللهَ سبحانه أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات، أن يعمل بها، ويأمُرَ بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يُبطّئ بها، فقال له عيسى ﵇: إنّ الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمُرَ بني إسرائيل أن يعملوا بها فإمّا أن تأمرهم وإمّا أن آمُرَهم. فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يُخسفَ بي أو أعذب، فجمع النّاسَ في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وقعدوا على الشُّرَف، فقال: إنّ اللهَ أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنَّ وآمرَكم أن تعملوا بهنَّ ... "٤.

١ انظر: الوابل الصيّب (ص:٨٤) . ٢ سورة الزُّخرف، الآية: (٣٦) . ٣ سورة الأعراف، الآية: (٢٠١) . ٤ المسند (٤/٢٠٢)، سنن الترمذي (رقم:٢٨٦٣)، المستدرك (١/١١٧، ١١٨، ٤٢١)، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم:١٧٢٤)

1 / 14

فذكر أمرَهم بالتوحيد، والصلاة، والصيام، والصّدقة، ثمّ ذكر الخامسةَ فقال: "وآمُرُكم أن تذكروا اللهَ، فإنّ مَثَلُ ذلكَ كمَثَلِ رجُلٍ خرج العدوُّ في أثَرِه سراعًا حتى إذا أتى على حِصنٍ حصينٍ فأحرز نفسَه منهم، كذلك العبدُ لا يحرزُ نفسَه من الشَّيطان إلاّ بذكر الله تعالى ... "، إلى آخر هذا الحديث العظيم. وقد وصفه العلاّمةُ ابن القيِّم ﵀ بأنَّه حديث عظيمُ الشَّأن، وينبغي لكلِّ مسلم حِفظُهُ وتعقُّلُه١. فهذا الحديث مشتملٌ على فضيلةٍ عظيمةٍ للذِّكر، وأنّه يطرُد الشيطان، ويُنجي منه، وأنّه بمثابَة الحِصن الحصين والحِرز المكين الّذي لا يحرزُ العبدُ نفسَه من هذا العدوِّ اللّدود إلاّ به، وهذه ولا ريب فضيلة عظيمة للذِّكر؛ ولهذا يقول ابن القيّم ﵀: "فلو لم يكن في الذّكر إلاّ هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقًا بالعبد أن لا يفتُرَ لسانُه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهِجا بذكره، فإنّه لا يحرز نفسه من عدوِّه إلاّ بالذِّكر، ولا يدخل عليه العدوُّ إلاّ من باب الغفلة، فهو يرصُدُه، فإذا غفل وثب عليه وافترسَه، وإذا ذكرَ اللهَ تعالى انخنس عدوُّ الله وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع وكالذّباب، ولهذا سُمِّيَ (الوسواسُ الخنَّاس)، أي: يوسوس في الصدور فإذا ذكرَ الله تعالى خنس أي كفَّ وانقبضَ.

١ الوابل الصيّب (ص:٣١) .

1 / 15

وقال ابن عبّاس ﵄: الشَّيطان جاثِمٌ على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله تعالى خنَس"١. فنسأل الله تعالى أن يعيذنا من شرِّ الشيطان وشِركِه، ومن همزِه ونَفخِه ونفثِه، إنّه سميعٌ مجيبٌ قريبٌ.

١ الوابل الصيب (ص:٧٢) .

1 / 16

مِن فوائد الذِكر لايزال الحديث موصولًا في بيان فوائد الذِّكر، وقد مرَّ معنا فيما سبق ذكرُ فائدةٍ واحدةٍ له وهي: أنّه حِرزٌ لصاحبه من الشيطان، فمن خلى من الذِّكر لازمه الشَّيطان ملازمة الظِّلِّ، والله يقول: ﴿ومَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ ١ ولا يستطيع العبدُ أن يُحْرِزَ نفسه من الشيطان إلاّ بذكر الله تعالى، وهذه فائدةٌ جليلةٌ من فوائد الذِّكر العديدة. وكما مرَّ بنا فإنّ الإمام العلاّمة ابن القيِّم ﵀ عدّ في كتابه القيِّم الوابلُ الصّيِّب ما ينيف على السَّبعين فائدة للذِّكر، ونستكمل هنا بعضَ تلك الفوائد العظيمة، ممّا أورده ﵀ في كتابه المُشار إليه آنفا٢. ـ فمن فوائد ذكر الله العظيمة: أنّه يجلُبُ لقلب الذَّاكر الفرَحَ والسرورَ والرَّاحةَ، ويورثُ القلبَ السكونَ والطُّمأنينةَ، كما قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ ٣، ومعنى قوله تعالى: ﴿وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ﴾ أي: يزول ما فيها من قلقٍ أو اضطراب، ويكون فيها بدَلَ ذلك الأنسُ والفرحُ والرَّاحة، وقوله: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ أي: حقيقٌ بها وحَرِيٌّ أن لا تطمئنَّ

١ سورة الزخرف، الآية: (٣٦) . ٢ وانظر: الوابل الصيب (ص:٨٤ - ١٠٠) و(ص:١٤٥) . ٣ سورة الرعد، الآية: (٢٨) .

1 / 17

لشيءٍ سوى ذكره ﵎. بل إنّ الذكرَ هو حياةُ القلب حقيقةً، وهو قوتُ القلب والرّوح، فإذا فقده العبدُ صار بمنزلة الجسم إذا حيلَ بينَه وبين قوتِه، فلا حياةَ للقلب حقيقةً إلاّ بذكر الله، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: "الذِّكرُ للقلب مثلُ الماء للسَّمك، فكيف يكون حالُ السَّمك إذا فارق الماء"١. ـ ومن فوائد ذكر العبد لِلَّه: أنّه يورثُه ذكرَ الله له، كما قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ ٢. وفي الصّحيحين من حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ فيما يروي عن ربِّه ﵎: "من ذكرَني في نفسِه ذكرتُه في نفسي، ومن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ منهم" ٣. ـ ومن فوائده: أنّه يحطُّ الخطايا ويُذهبُها، ويُنجّي الذّاكرَ من عذاب الله، ففي المسند عن معاذ بن جبل ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: "ما عمل آدميٌّ عملًا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله تعالى"٤. ـ ومن فوائد الذِّكر: أنّه يترتّبُ عليه من العطاء والثّواب والفضل ما لا يترتَّبُ على غيره من الأعمال، مع أنَّه أيسرُ العبادات؛ فإنَّ حركة

١ انظر: الوابل الصيب لابن القيم (ص:٨٥) . ٢ سورة البقرة، الآية: (١٥٢) . ٣ صحيح البخاري (رقم:٧٤٠٥)، وصحيح مسلم (رقم:٢٦٧٥) . ٤ المسند (٥/٢٣٩)، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم٥٦٤٤) .

1 / 18

اللسان أخفُّ حركات الجوارح وأيسرُها، ولو تحرّك عضو من الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه لشقّ عليه غاية المشقّة، بل لا يمكنُه ذلك، ومع هذا فالأجور المترتِّبة عليه عظيمةٌ والثّوابُ جزيلٌ. ففي الصحيحين عن أبي هريرة ﵁ أنَّ رسول الله ﷺ قال: "من قال لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ في يومٍ مائة مرّة كانت له عدلُ عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيِّئة، وكانت له حِرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل ممّا جاء به إلاّ رجلٌ عمل أكثر منه"١. وفي الصّحيحين أيضًا عن النبي ﷺ أنّه قال: " من قال سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرّة حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زَبَدِ البحر"٢. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "لأَن أقول سبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر أحبُّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشّمسُ "٣، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ـ ومن فوائد الذِّكر: أنّه غِراسُ الجنَّة، فالجنّة كما جاء في الحديث قيعانٌ، وهي طيِّبةُ التُّربة، عذبة الماء، وغِراسُها ذكرُ الله، فقد روى الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود ﵁ قال: قال

١ صحيح البخاري (رقم:٣٢٩٣،٦٤٠٣)، وصحيح مسلم (رقم:٢٦٩١) . ٢ صحيح البخاري (رقم:٦٤٠٥)، وصحيح مسلم (رقم:٢٦٩١) . ٣ صحيح مسلم (رقم:٢٦٩٥) .

1 / 19

رسول الله ﷺ: "لقيتُ ليلةَ أُسريَ بي إبراهيمَ الخليل ﵇ فقال: يا محمّد أَقرئ أُمَّتك منّي السلام، وأخبِرهُم أنّ الجنّة طيِّبةُ التُّربة، عذبةُ الماء، وأنّها قيعانٌ، وأنَّ غِراسَها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر"، قال الترمذي: حديث حسنٌ غريبٌ من حديث ابن مسعود١. ورواه الإمامُ أحمد من حديث أبي أيُّوب الأنصاري ﵁، ولفظه: " أنّ رسول الله ﷺ ليلة أُسري به مرَّ على إبراهيم فقال: مَنْ معك يا جبريلُ؟ قال: هذا محمّد، فقال له إبراهيم: مُرْ أمتك فليُكثروا من غِراس الجنّة، فإنّ تربتَها طيِّبة وأرضَها واسعةٌ، قال: وما غِراسُ الجنَّة؟ قال: لا حول ولا قوَّةَ إلاّ بالله". فهذا شاهدٌ للحديث الّذي قبله٢. وروى الترمذي من حديث أبي الزُّبير، عن جابر ﵁ عن النبي ﷺ: "من قال: سبحان الله وبحمده، غُرِست له نخلةٌ في الجنَّة"، قال الترمذي: حديث حسن صحيح٣. ورواه الإمامُ أحمد من حديث معاذ بن أنس الجهني ﵁ عن رسول الله ﷺ أنّه قال: "من قال: سبحان الله العظيم، نبت له غرسٌ في الجنّة"٤.

١ سنن الترمذي (رقم:٣٤٦٢)، وحسنه الألباني بما له من الشواهد في السلسلة الصحيحة (رقم:١٠٥) . ٢ المسند (٥/٤١٨) . ٣ سنن الترمذي (رقم:٣٤٦٥)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم:٦٤٢٩) . ٤ المسند (٣/٤٤٠) .

1 / 20

ـ ومن فوائد الذِّكر: أنّه يكون نورًا للذَّاكر في الدنيا، ونورًا له في قبره، ونورًا له في مَعَاده، يسعى بين يديه على الصِّراط، فما استنارَت القلوبُ والقبورُ بمثل ذكر الله تعالى. قال اللهُ تعالى: ﴿أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا فأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ ١. فالأوّل: هو المؤمن، استنار بالإيمان بالله ومحبَّته ومعرِفتِه وذكرِه. والآخرُ: هو الغافلُ عن الله تعالى، المعرِضُ عن ذكره ومحبَّته. والشَّأنُ كلُّ الشَّأن والفلاحُ كلُّ الفلاح في النّور، والشَّقاءُ كلُّ الشَّقاءِ في فَواتِه، ولهذا كان النبي ﷺ يُكثِرُ من سُؤال الله ﵎ ذلك بأن يجعَلَه في كلِّ ذرّاته الظّاهرة والباطنة، وأن يجعلَه محيطًا به من جميع جهاته، وأن يجعل ذاتَه وجملَتَه نورًا. فقد خرّج مسلمٌ في صحيحه من حديث عبد الله بن عبّاس ﵄ في ذكر دعاء النَّبيّ ﷺ باللّيل قال: "وكان في دعائه اللهمّ: اجعلْ في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخَلْفي نورًا، وعظِّم لي نورًا "، قال كُرَيب - أَحَدُ رواة الحديث ـ: وسبعًا في التَّابوت. فلَقيتُ بعضَ ولَد العبّاس فحدّثني بهنَّ، فذكر: عصبي، ولحمي، ودمي، وشعري، وبشَري، وذكر خصلتين٢.

١ سورة الأنعام، الآية: (١٢٢) . ٢ صحيح مسلم (رقم:٧٦٣) .

1 / 21

فالذِّكرُ نورٌ لِقلب الذَّاكر ووجهِه وأعضائِه، ونورٌ له في دنياه وفي البرزخ وفي يوم القيامة. ـ ومن فوائد الذِّكر: أنّه يوجبُ صلاةَ الله ﷿ وملائكتِه على الذّاكر، ومن صلَّى اللهُ عليه وملائِكتُه فقد أفلح كلَّ الفلاح، وفاز كلَّ الفوز، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينِ رَحِيمًا﴾ ١.

١ سورة الأحزاب، الآية: (٤١،٤٢،٤٣) .

1 / 22

٣/ فوائدُ أخرى للذكر نواصل الحديثَ في عدِّ بعض فوائد الذِّكر، وذكر شيءٍ من منافعه وعوائده على الذَّاكرين في الدنيا والآخرة؛ وذلك من خلال ما ذكره الإمام العلاّمة ابن القيِّم ﵀ في كتابه الوابل الصيِّب١. ـ فمِن فوائده: أنّ الذِّكر سببٌ لتصديق الرّبِّ ﷿ عبدَه، فإنّ الذَّاكرَ يُخبرُ عن الله تعالى بأوصاف كماله ونُعوت جلاله، فإذا أخبر بها العبدُ صدَّقه ربُّه، ومن صدّقه اللهُ تعالى لم يُحشَر مع الكاذبين، ورُجي له أن يُحشر مع الصّادقين. روى ابن ماجه، والترمذي، وابن حبّان، والحاكم، وغيرُهم عن أبي إسحاق، عن الأغرّ أبي مسلم، أنّه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ﵄ أنّهما شهدا على رسول الله ﷺ أنّه قال: "إذا قال العبدُ: لا إله إلاّ الله والله أكبر، قال: يقول الله ﵎: صَدَقَ عبدي لا إله إلاّ أنا وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده، قال: صدق عبدي لا إله إلاّ أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلا الله لا شريك له، قال: صدق عبدي لا إله إلاّ أنا لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملكُ وله الحمدُ، قال: صدق عبدي، لا إله إلا أنا لي الملكُ ولي الحمدُ، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوَّة إلاّ بالله، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوَّة إلاّ بي". ثمّ قال الأغرُّ شيئًا لم أفهمه، قلتُ لأبي جعفر: ما قال؟ قال:

١ انظر: الوابل الصيب (ص:١٦٠،١٦٤،١٤٢،١٤٣،١٤٤،١٣٢،١٥٣،١٥٤)

1 / 23

"من رُزِقَهُنَّ عند موته لم تمسَّه النَّار". وقال الترمذي حديث حسن، وصحّحه الحاكم ووافقه الذّهبي، وقال الشيخ الألباني حفظه الله: وهو حديث صحيح١. ـ ومن فوائده: أنّ كثرةَ ذكر ﷿ وسلم أمانٌ من النِّفاق، فإنّ المنافقين قليلو الذِّكر لله ﷿، قال الله تعالى في المنافقين: ﴿وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ ٢. قال كعب: "من أكثر ذكرَ الله ﷿ برئ من النِّفاق". ولعلّه لأجل هذا ختم اللهُ سورة المنافقين بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ﴾ ٣. فإنّ في ذلك تحذيرًا من فتنة المنافقين الّذين غَفَلوا عن ذكر الله ﷿ فوقَعُوا في النِّفاق والعياذُ بالله. وقد سُئِل عليُّ بن أبي طالبٍ ﵁ عن الخوارج: منافقون هم؟ فقال: "المنافقون لا يذكرون اللهَ إلاّ قليلًا". فهذا من علامة النِّفاق، قلَّةُ ذكر الله ﷿، وعلى هذا فكثرة ذكره تعالى أمانٌ من النِّفاق، واللهُ ﷿ أكرمُ مِن أن يبتلي قلبًا ذاكرًا بالنِّفاق، وإنّما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله ﷿.

١ سنن ابن ماجه (٣٧٩٤)، وسنن الترمذي (رقم:٣٤٣٠)، وصحيح ابن حبان (رقم:٨٥١)، ومستدرك الحاكم (١/٥)، والسلسلة الصحيحة (رقم:١٣٩٠) . ٢ سورة النساء، الآية: (١٤٢) . ٣ سورة المنافقون، الآية: (٩) .

1 / 24