وبديهي أن أدباءنا ومفكرينا انصرفوا إلى تعزيز الشعور الوطني وتقويته، واعتبروا الوطنية خير جامعة يجمعون بها صفوف الأمة لحمايتها وإنهاضها. وما كاد الشيخ عبد الله النديم يطرح هذا السؤال الذي جعله عنوان إحدى مقالاته: «هذه يدي في يد من أضعها؟» حتى أجاب في أول سطر من المقالة: «ضعها في يد وطنيك!»
أما «الأمة» فيبدو لنا أن أدباءنا ومفكرينا لم يطيلوا الوقفة عندها؛ وسبب ذلك - على ما نرجح - أن معظم أدبائنا ومفكرينا الأوائل كانوا يأخذون بالجامعة العثمانية.
35
ومفهوم أن إمبراطورية السلطان العثماني لم تكن تتألف من أمة واحدة. فإذا استعمل أدباؤنا ومفكرونا لفظ «الأمة» تجوزوا فيه وتوسعوا. والواقع أن تعريف الأمة في الفكر العالمي لا يزال إلى اليوم موضوع جدل كثير. وفي باب النصوص من هذا الكتاب بحث قصير لأديب إسحاق حاول فيه تحديد الأمة فجعلها «الجماعة من الناس» «تتجنس جنسا واحدا»، و«تخضع لقانون واحد »، و«تتعارف باسم تنتسب إليه وتدافع عنه.» أما «وحدة اللغة» فاستحسنها.
36
ولم يذكر الرابطة الدينية مطلقا.
37
وعنى بقوله: «تتجنس جنسا واحدا» أن ليس من الضروري أن تكون الأمة من أصل واحد في النسب؛ لأن التقلبات التاريخية أدت بمعظم البشرية إلى الاختلاط والتمازج. ولا ريب أن أديب إسحاق وفق إلى الصواب في النقاط التي ذكرها، وكان موفقا أيضا في سكوته عن الرابطة الدينية. والذي يمكن استنتاجه من فحوى كلامه: أن الأمة هيئة تتكون تاريخيا (يكونها التاريخ) ولا توجد في أصل الخلق. وإنها لحقيقة من الأهمية بمكان عظيم. على أن أديب إسحاق غفل في تحديد الأمة عن بعض نقاط أساسية.
38
أما كلمة «القومية» فكان استعمالها قليلا جدا إبان انتشار فكرة «الجامعة العثمانية»، ولم تشع إلا بعد نهضة فكرة العروبة.
صفحة غير معروفة