1
وكان عبد الحميد الذي قبل بالدستور، أول الأمر، شديد النزعة إلى الحكم المطلق، يريد حصر السلطة بيده، وقد فعل؛ فباتت تكال له ألقاب التفخيم والتمجيد، فهو «ظله (ظل الله) الأكرم وخليفته الأعظم»،
2
وهو «وارث الأنبياء بلا امتنان وخلاصة بني عثمان».
ولعلنا نحسن صنعا إذا وقفنا قليلا لنجس نبض الفكر السياسي الذي كان يبيحه عبد الحميد؛ فإن هذا ليزيدنا فهما لتيار الفكر السياسي الذي انطلق بدافع من الثورة الفرنسية، ويعيننا على فهم الاصطدام القوي الذي لم يلبث أن وقع بين التيارين.
ولعلنا لا نجد أحدا يمثل الفكر السياسي الحميدي «مفلسفا» كما يمثله لبناني من أدباء ذلك العهد هو الدكتور الظريف شاكر الخوري. والأرجح أن الدكتور شاكر كان لا يشعر بأنه يبث «فلسفة» السياسة الحميدية، بل الأرجح أنه كان لا يريد أن يبثها، إلا أنه مع ذلك كان يكره جلب الأذى لنفسه، و«المسكين» - في نظره - «من تقدمت أفكاره عصرها؛ فهو الذي يكون الضحية الأولى.» وما أغناه عن أن «يفحص كلف الشمس بالعين العارية ويعرض نفسه للعمى بلا فائدة.» وباختصار «أكرم رئيسك ولو كان حمارا.»
3
مع أن الدكتور في خاتمة كتابه «مجمع المسرات» يعلن أن مؤلفه «حبل به في الظلم وولد في الحرية»؛ لأن صدوره مطبوعا سنة 1908 وافق سقوط عبد الحميد وإعلان الدستور العثماني، وبهذه الكلمة نفس عن صدر متضايق كان ينفس عنه قبلا بلذع التوريات والنكات.
وفي الكتاب فصل عن «ضرورة السياسة للهيئة الاجتماعية» كتب في العهد الحميدي، وهو الفصل الذي يساير فيه الدكتور شاكر تيار الفكر السياسي الحميدي «مفلسفا» مجلببا بجلباب من «المنطق» و«القياس»؛ فيثبت الدكتور أولا ضرورة «القوانين التي تعطي كل ذي حق حقه»، ثم يثبت ضرورة «أناس مخصوصين يديرون حركة القوانين ويسيرون بموجبها، وهؤلاء هم الساسة.» أما القوانين فقسمان: قسم يتعلق «بحقوق الأفراد بين بعضهم»، وقسم يتعلق «بحقوق الهيئة عموما مع هيئة أخرى.» ولا بد للفئة المخصوصة التي تتولى إدارة القوانين من أن «يرأسها شخص تعطى له السلطة»، ويكون له مساعدون وقوة تنفيذ هي الجيش؛ ولئلا تخرب الجمعية «حصر الباري السلطة بيد واحد».
ومن ثم يقابل الدكتور بين الحكومة والجسم مقابلة طريفة لا نلبث إذا دققنا فيها النظر أن نجد أن الحكومة هي الدولة العثمانية الحميدية، شبهها الكاتب بالجسم الإنساني ليثبت موافقتها للخلق الطبيعي.
صفحة غير معروفة