قالت: إنك لم تفكر في ثيابك التي ابتلت حين ألقيت بنفسك إلى الماء لأجلي، والآن أصبحت تخشى على هذه الثياب من التجعد إذا دنوت منك؟ فأنت منقذي من الغرق يا مسيو دراك، آه ما أشد ما يكون حب والدي لك عندما يعلمان بما صنعته إلي من المعروف العظيم.
قال: ولكنني أعفيهما من ذلك العناء؛ لأنني مسافر إلى باريس في هذه الساعة، ومنها إلى إنكلترة دون إمهال.
فأشارت العمة إليه وقالت له: بحقك تعال معنا إلى الفندق، فلا غنى لنا عن وجودك معنا.
فلم يجد بدا من الانصياع وهو يقول في نفسه: إنني لم أنتفع بعزوبتي ما دمت هدفا لأول امرأة تطلب مني الإسعاف كما وقع اليوم.
ولما وصلوا إلى الفندق كانت العمة متألمة، وأصابتها حمى عقيب تبلل ثيابها، أما بوليت فتعجبت لأنها لم تر والديها، وقالت: إنهما تأخرا، إذن سوف أسبقهما إلى المنزل في باريس، وغدا نسافر على أول قطار. فقالت لها عمتها: إذا كنت راغبة في السفر فلا بأس، ولكن لا بد لي من السفر معك، إلا أنني مريضة كما ترين، وأحتاج إلى الاستراحة ولو يومين.
قالت: أنا لا أستطيع الصبر على لقاء والدي يومين أيضا، وكان دراك يود الرحيل، فقال للفتاة: هل تريدين أن أوصلك إلى باريس على أن تبقى عمتك ها هنا بضعة أيام لتستريح تماما؟
فأرضى الاقتراح الامرأتين معا، ثم خلت العمة بدراك، وبعد جدال وعدها بأن يخبر الفتاة في أثناء الطريق عن انفصال والديها، وسافرت بوليت برفقة دراك، غير أنه لم يجسر على إنجاز وعده شفقة على بوليت، وهكذا وصلت إلى منزل أبيها وهي تجهل كل ما حدث.
دخلته وهي تجر المسيو دراك، الذي كان مرتبكا كل الارتباك، ودخل الخادم الهندي ملطار من باب آخر فسمع صوتها ولم يرها، فقال في نفسه: كيف وصلت دون أن يدري أبوها بوصولها؟ ومن الرجل الذي يصحبها؟
وتعجب لما أدرك من لهجتها أنها مسرورة؛ إذ كانت تقول للرجل الإنكليزي تعال ولا تتردد، ولماذا أردت مخاطبة البواب وأنا لا أعرفه؟ فهل أحتاج إلى من يدلني على الطريق في بيت أبي؟
قال: ولكنه يسألني عن نفسي وعنك لأنه لا يعرفنا.
صفحة غير معروفة