تطلع الزنجي ببصره إلى الرجل الضئيل المستلقي الذي كان يتنفس بصعوبة. تدلى شعره الأشقر على جبينه، وبدا وجهه المشوه طفوليا وهو ساكن. «يمكنني أن أوقظه الآن في أي وقت يا سيد آدمز. أرجو أن ترحل، إذا لم يكن هذا سيضايقك. لا أريد أن أبدو غير مضياف، لكن حالته قد تسوء مرة أخرى عند رؤيتك. أكره أن أضطر إلى ضربه ثانية، وهو الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله حين تتلبسه هذه الحالة. إنني أضطر إلى إبعاده عن الناس بعض الشيء. إنك لا تمانع يا سيد آدمز ، أليس كذلك؟ كلا، لا تشكرني يا سيد آدمز. كنت سأحذرك بشأنه، لكنه قد بدا مستمتعا بوجودك، وقد ظننت أن الأمور ستكون على ما يرام. سوف تصل إلى مدينة على ميلين تقريبا من السكة الحديدية. إنهم يسمونها مانسيلونا. إلى اللقاء. أتمنى لو كنا نستطيع دعوتك إلى قضاء الليلة، غير أن هذا أمر محال. أترغب في أخذ بعض من هذا اللحم والخبز معك؟ كلا؟ من الأفضل أن تأخذ معك شطيرة.» قال كل ذلك بصوته الزنجي المهذب الرقيق الخفيض. «حسنا، إلى اللقاء يا سيد آدمز. إلى اللقاء وحظ طيب!»
سار نك مبتعدا عن النار عبر الأرض الخالية من الأشجار، واتجه إلى خط السكة الحديدية. بعد أن ابتعد عن حيز النار، سمع صوت الزنجي الرقيق الخفيض وهو يتحدث. لم يستطع نك أن يسمع الكلمات، لكنه قد سمع صوت الرجل الضئيل بعد ذلك وهو يقول: «أشعر بصداع فظيع يا باجز.»
سمع صوت الزنجي يهدئه قائلا: «ستشعر بتحسن يا سيد فرانسيس. ما عليك إلا أن تحتسي فنجانا من هذه القهوة الساخنة.»
تسلق نك حافة السكة الحديدة وراح يسير على خط السكة الحديدية. وجد أنه يمسك بشطيرة من شرائح اللحم في يده؛ فوضعها في جيبه. وحين نظر إلى الخلف من المنحدر الصاعد قبل أن تنعطف السكة الحديدية إلى التلال، كان يستطيع أن يرى ضوء النار في المنطقة الخالية من الأشجار.
الفصل السادس
جلس نك مستندا إلى حائط الكنيسة حيث كانوا قد جروه كي يبتعد عن الطلقات النارية التي تندفع من المدفع الرشاش في الشارع. كانت كلتا ساقيه تتجهان إلى الخارج بطريقة بشعة. كان قد أصيب في العمود الفقري. كان وجهه متعرقا ومتسخا. وقد سطعت الشمس عليه. كان يوما شديد الحرارة. استلقى رينالدي، العريض المنكبين، والذي كانت معداته تتمدد هي أيضا، مستندا على الجدار ووجهه ناظر إلى الأسفل. نظر نك إلى الأمام مبتهجا. كان الجدار الوردي للمنزل المقابل قد سقط منفصلا عن السطح، وتدلى هيكل سرير حديدي ملتويا باتجاه الشارع. كان هناك نمساويان ميتان بين الأنقاض في ظل المنزل. وعلى امتداد الشارع، كان هناك موتى آخرون. كانت الأمور تتقدم في المدينة. كانت تسير على ما يرام. كان سيأتي حاملو النقالات في أي وقت الآن. أدار نك رأسه بحرص ونظر إلى رينالدي. «اسمع يا رينالدي. اسمع. لقد عقدنا أنا وأنت معاهدة سلام منفصلة.» استلقى رينالدي ساكنا في الشمس وهو يتنفس بصعوبة. «لسنا وطنيين.» أدار نك رأسه بعيدا بحرص، وهو يبتسم متعرقا. لقد كان رينالدي جمهورا مخيبا للآمال.
قصة قصيرة جدا
في أمسية حارة في بادوفا، حملوه إلى الأعلى على السطح؛ فتمكن من مشاهدة المدينة من أعلى. كانت طيور سمامة المداخن تحلق في السماء. وبعد برهة، حل الظلام وأضيئت الكشافات. نزل الآخرون وأخذوا الزجاجات معهم. كان يستطيع هو ولوز أن يسمعاهم وهم بالأسفل في الشرفة. جلست لوز على السرير. كانت ندية ونضرة في الليل الحار.
ظلت لوز تعمل في دورية الليل على مدار ثلاثة أشهر. وقد سرهم أن يسمحوا لها بالعمل ليلا. حين أجروا له العملية الجراحية، أعدته هي لطاولة الجراحة، بينما أخذوا هم يقولون مزحة عن الأصدقاء والحقن الشرجية (حيث إن كلمة حقنة شرجية بالإنجليزية قريبة في هجائها من كلمة عدو بالإنجليزية). وقع تحت تأثير المخدر وحاول أن يكبح جماح نفسه لئلا يثرثر بأي شيء خلال ذلك الوقت السخيف الذي يكثر فيه الكلام. وبعد أن صار يسير على عكازين، اعتاد أن يقيس درجات الحرارة كي لا تضطر لوز إلى النهوض من السرير. لم يكن هناك سوى عدد قليل من المرضى، وقد كانوا جميعا على علم بعلاقتهما. وكانوا جميعا يحبون لوز. وبينما كان يسير عائدا بين القاعات، كان يتخيل لوز في سريره.
قبل أن يعود ثانية إلى الجبهة، زارا كاتدرائية ميلانو وصليا هناك. كانت الأجواء هادئة والضوء خافتا، وكان هناك أشخاص آخرون يصلون. أرادا أن يتزوجا، لكن الوقت لم يكن كافيا لإعلان الزواج، ولم يكن لدى أي منهما شهادة ميلاد. كانا يشعران كما لو أنهما متزوجان، لكنهما أرادا أن يعرف الجميع بالأمر، وأن يوثقاه كي لا يخسراه.
صفحة غير معروفة