فقال: «أين المفتاح»؟
قلت: «معه ... لم آخذه منه». وهممت بأن أقص عليه القصة، ولكنى رأيت أنها مما لا يصدق فأقصرت، فقال: «هل تستطيع أن تثبت شخصيتك»؟
فقلت: «بالطبع.. ماذا تظن»؟.. ودفعت يدى فى جيبى لأخرج له أوراق السيارة ورخصة القيادة وغير ذلك مما عسى أن يكون فى جيبى، فما راعنى إلا أن الجيب خال ليس فيه قصاصة واحدة! وأظن وجهى فضحنى على الرغم من محاولتى أن أتماسك وأتجلد، فقد سألنى بعد ذلك مباشرة عن السيارة ولمن هى؟ فأيقنت أنى وقعت، وقلت له: «اسمع.. إنك تطيل بلا داع.. لابد أن يكون قد حدث خطأ، ومن سوء الحظ أنى نسيت الأوراق كلها فى البيت، فإذا سمحت فأرسل معى شاويشا أو عشرة إذا شئت إلى البيت لأجيئك بكل ما يزيل الشك ويريح ضميرك».
فلم يبال بهذا الاقتراح المعقول، وقال: «هل أنت مصر على دعواك أنك أخو إسماعيل؟»
فقلت: «الحقيقة أنى مستعد للتبرؤ منه ولكن إلى أن أفعل لا يسعنى أن أنكر أنه أخى». فقال: «إذا كنت أخاه، فلماذا يبعث ببرقية كهذه»؟ وناولنيها، فقرأت فيها الحكم على.
وللرجل العذر لأنه إذا كان إسماعيل هذا أخى، فلماذا يطلب من البوليس أن يحجز السيارة رقم كذا، وفيها حقيبة صفتها كيت وكيت. لا تعترض من فضلك.. لقد كانت عبارة البرقية يفهم منها أنك تريد حجز السيارة أيضا. ولا أكتمك أنى لم أجد جوابا لهذا السؤال، وأنى استحييت أن أقول إنه مزاح بارد.
وحرت ماذا أصنع، ولم يفتح الله على بحيلة تخرجنى من هذا المأزق الثقيل.. وكان النهار قد طلع ولكنا ما زلنا فى البكور، ولا يليق أن أزعج الناس فى مثل هذا الوقت، فعدت إلى اقتراحى أن يبعث معى من يشاء إلى البيت، فرفضه. فسألته عن المأمور من هو؟ عسى أن يكون من معارفى.. فانتهرنى بغلظة، فتساهلت وسألته عن المعاون أو غيره، فلم يزد على أن قال: «بلاش دوشة»، فناشدته أن ينظر إلى ثيابى، وأن يفكر هل هذه ثياب مجرم ولص؟ فقال وهو يضحك: «إن بين اللصوص من هم أشد أناقة منك» فوضعت أصبعى فى الشق، وأسلمت أمرى إلى الله. •••
وختم المحضر على هذا ... أى على أنى لص ولا شك وأن البوليس حاذق فطن ولا شك. ولست ألوم البوليس، فقد كانت كل القرائن ضدى. وأشهد له أنه كان رفيقا، فقد سمح لى بأن أشترى - أعنى أن يبعث من يشترى شيئا لطعامى وطعام روكسى. ولا أنكر أنى شربت قهوة أيضا، وإن كانت أشبه بمغلى الفول السودانى أو بماء الوحل الساخن. ولكن هذا لم يكن ذنب البوليس.
وأخيرا فى الساعة الثامنة دخل ضابط علينا، فنظرت إليه ببلادة.. فقد فترت ويئست ولم أعد أبالى ما يجرى لى، ولكنى لم أكد أرى وجهه حتى انتفضت واقفا، وصحت به «حمدى.. الحمد لله.. أين المحقق»؟
فاستغرب وسألنى عن الحكاية، فقصصتها عليه فضحك ملء شدقيه. مدهش أن يضحك الناس من هذه الفصول الباردة! والباقى لا يحتاج إلى كلام ... جئت إلى هنا ونمت ساعة أو اثنتين على هذا الكرسى بثيابى.. ولكنه ينقصك يا حضرة الأخ أن تفسر للبوليس مزاحك، فقد صار الأمر مزاحا مع البوليس لا معى».
صفحة غير معروفة