الفصل الثامن
الهارب
دخل «سعيد الميدانى» على مدير دار الكتب - حين أذن له - وهو يحيى وينشر الجريدة التى كانت مطوية تحت إبطه، وقال وهو يقدمها له: «هل قرأت هذا يا بك؟ إن الحملة واضحة التلفيق، ولهذا جئت وفى مرجوى أن أظفر منك ببيان للرد عليها».
فتناولها منه المدير وألقاها على طرف المكتب، ولم يكتم ضجره وهو يقول: «تفضل.. تفضل.. إن كل ما يعنى رواد الدار هو أن يجدوا ما يطلبون - كل ما يطلبون - فيها وأن يهتدوا إليه بسرعة وسهولة وبغير عناء أو تضييع وقت. ومتى كان هذا حاصلا فلست أبالى ما تكتب الصحف أو يقول غيرها. وهذا حسبى وحسبك بيانا، فإذا اقتنعت به فذاك.. وإلا فأمرى إلى الله، فما أستطيع أن أضيع وقتى فى الكلام الفارغ».
وكان أمامه وهو يقول هذا كتاب ضخم وضع بين صفحتين منه قلما أحمر غليظا. وكان ينظر إلى إحدى الصفحتين ويشير بأصبعه إلى سطور فيها كأنما يتلو منها ما ينطق به. بل لقد خيل إلى سعيد أن الأمر كذلك، ولكنه هز رأسه كأنما يريد أن يطرد هذا الخاطر، فقد استأذن من غير أن يبين الغرض من المقابلة. وكان سعيد من أحدث خريجى كلية الآداب بالجامعة المصرية، ومن أنشطهم وأشدهم إقبالا على التحصيل والاطلاع ونزوعا إلى الاستقلال والعمل الحر. وخال فيه صاحب جريدة «الأحوال» الخير من لمحاته، وآنس الرشد من أعماله.. فألحقه بمساعديه الكثيرين، وما لبث أن صار يعتمد عليه فى تعقب الأخبار وتقصى الحقائق.
ورأى المدير أن سعيدا ينظر إلى الكتاب الذى بين يديه، فمسح جبينه العريض بأنامله ثم قال: «على فكرة.. هل عندكم فى «الأحوال» ملفات خاصة بترجمة المشهورين»؟
ثم كأنما تذكر أمرا، فقال: «متى أسست جريدة الأحوال»؟
فقال سعيد: «بعد الحرب العظمى.. سنة 1919م - أو 1920م».
وقال المدير: «إذن لا فائدة..».
فقال سعيد: «هل تسمح لى أن أسأل ما هى الحكاية لعلى أستطيع أن أساعد».
صفحة غير معروفة