قال: «أصنع؟ أتسأل؟ كنت أضع المال فى صرر وأرمى بها لمن أتوسم فيهم أنهم أهل لأن يكون فى يدهم مال» - وأطرق شيئا ثم رفع رأسه وقال: «هل تعرف أنى زرت اليوم أختى؟ إنها غنية كما تعرف.. وكيف لا تكون غنية وهى لا تنفق شيئا؟ فلما دخلت عليها وفتحت فمى لأتكلم، رفعت يدها وقالت: «ولا مليم» فغضبت وصحت بها ونهرتها عن هذا السلوك. أكدت لها مائة مرة إنى محتاج إلى قليل من المال، فوقفت وأكدت لى أنى سأكون محتاجا إلى هذا المال حين أخرج من بيتها.. سلوك يطير العقل.. فهل تسمى هذه أختا؟ أنى أتصور أختا ظريفة لطيفة سخية كريمة تعطينى وهى تعتذر وتملأ يدى وهى مغضية. هكذا تكون الأخت».
فقلت: «لماذا لا تفكر فى طريقة لكسب المال»؟
فقال بلهجة الاستنكار: «أفكر..؟ وما الفائدة من التفكير؟ لا فائدة ما دامت الدنيا مقلوبة. آه لو كان لى سلطان فى هذه البلاد، إذن لعقدت امتحانا كل ثلاثة شهور للأغنياء.. يجلس أعضاء اللجنة ويقف أمامهم الغنى، فيقول له أحدهم: «كم تملك يا مولانا»؟ فيقول: «ألف فدان ونحو مائتى ألف جنيه فى المصرف، وعمارتين - كل منهما ذات سبع طبقات فى شارع الملكة نازلى». فيقول أحد الأعضاء: «وماذا تصنع بكل هذه الثروة»؟ فيقول: «أوه لا أصنع شيئا.. كل ما زاد على حاجاتى الضرورية جدا أضيفه إلى المدخر» فتقول اللجنة: «شىء جميل.. أهذا رأيك فيما ينبغى أن يصنع المرء بالمال؟.. لا بأس.. اسألوا أحمد - أى العبد الخاضع المطيع - ماذا يكفيه»، فأقول ردا على السؤال: «أوه يكفينى القليل.. خمسون ألفا. كفاية.. أعنى مؤقتا» فتقول اللجنة: «أحمد هذا رجل يحسن إنفاق المال.. أعطوه ما يطلب» فأقبض المبلغ وأشكرهم وأفرك يدى وأقول: «إذا سمحتم لى يا حضرات الأعضاء الموقرين، أستأذنكم فى لفت نظركم إلى رجل يعرف كيف يعطى.. بارع جدا فى الإنفاق» فيسأل أحدهم: «من هذا؟ قل بسرعة» فأقول: «إنه المازنى» فيقول: «آه صحيح.. كيف نسيناه.. هاتوه حالا.. علينا به. اقبضوا عليه فى حيثما تجدونه» فيقبض عليك الشرطة ويجرونك مصفدا إلى اللجنة، فيضحك الأعضاء ويقولون: «خذ.. خذ.. خذ أيضا» فتخرج معى مسرورا.. وتروح تنفق باليمين وبالشمال حتى يحين موعد الامتحان التالى. ما قولك»؟
فقلت وأنا أضحك: «شىء عظيم جدا.. ولكن إلى أن يتيسر أن تلى أمور الناس، ماذا تصنع»؟
فقال: «آه هذه هى المسألة.. ما رأيك أنت»؟
قلت: «يمكننا أن نكسب الورقة الأولى الرابحة من يانصيب المواساة أو اليانصيب الإرلندى».
قال: «هذا ممكن.. ولكن ذلك يتطلب أن ننتظر بضعة شهور والعجلة من الشيطان».
قلت: «صدقت.. يمكن أن نخترع شيئا ونحتكر بيعه - وصنعه بالطبع - فنغتنى».
قال: «صحيح.. فكرة لا بأس بها.. سأدون هذا فى مذكرتى.. تنفع فى المستقبل.. وعلى ذكر ذلك، ماذا نخترع»؟
قلت: «باب الاختراع واسع.. واسع جدا: مثلا نخترع طريقة تجعل السيارات تستغنى عن البنزين وتكتفى بالماء - أو حتى بالهواء - أو نخترع بديلا من النقود فإن النقود هى أصل البلاء فى هذه الدنيا.. أو نخترع..».
صفحة غير معروفة