في سبيل الإصلاح
الناشر
دار المنارة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الرابعة
سنة النشر
١٤١٦ هـ - ١٩٩٦ م
مكان النشر
جدة - المملكة العربية السعودية
تصانيف
والاجتماعية، أو أن المدارس جعلتهم طبقة مختارة ممتازة من طبقات الشعب، بل إنهم كغيرهم من الناس، منهم الصالح ومنهم الفاسد ومنهم من هو بين ذلك!
والسبب في هذا كله أن نظام التعليم في بلادنا كالبيت العتيق الخرب، المختل الهندسة، الذي لا يفتأ أصحابه يتعهدونه بالترميم والإصلاح ولكنهم لا يجرؤون على هدمه من أساسه وبنائه من جديد على هندسة صالحة، ونمط صحّي نافع. إننا نحبس التلاميذ ست سنين للدراسة الثانوية، ونحشو رؤوسهم بمعلومات أكثرها لا ينفع في الحياة. وماذا لعمري استفدت أنا من دراسة المثلثات والهندسة النظرية و(حفظ) معادلات الكيمياء وقوانين الفيزياء في القضاء أو في تدريس الأدب أوفي فن الكتابة، وتلك هي أعمالي في حياتي؟ سيقول قائل، ومن كان يدري أنك ستكون أديبًا أو قاضيًا، فأما كان في الإمكان أن تكون مهندسًا أو صيدليًا؟ بلى، ولكن الدراسة العالية حددت طريقي في الحياة، فلماذا لم أحدده قبل ذلك بسنوات؟
هذه هي المسالة، كما يقول شكسبير. إن الدراسة العالية هي المقصودة بالذات، وما قبلها ثقافة عامة هي بمكان المقدمة إليها والتمهيد لها، أفلا يستطيع الشاب الواعي دراسة الحقوق مثلًا، من غير إحاطة بدقائق الكيمياء والفيزياء والرياضيات؟ أو لا يجزئه ويكفيه أن يعرف عنها الشيء المجمل المختصر؟ وطالب الطب هل يستحيل عليه تحصيله من غير معرفته بعلل الشعر واختلافات الكوفيين والبصريين؟ لقد شاهدنا محامين بارعين وقضاة لا يعرفون شيئًا من المشتقات ولا تحول التابع ولا صفات البروم، وشاهدنا أطباء كبارًا استطاعوا أن يعملوا عمليات في شق البطن وفتح الجمجمة، على جهلهم الموازنة بين أبي تمام والبحتري، وشروط عمل اسم الفاعل.
...
فما العمل؟ أنا أرى، إذا كان في الدنيا من يسمع رأيي، أن نجعل مدة الدراسة الابتدائية والثانوية معًا سبع سنين على الأكثر يتمكن فيها الطالب من العربية بالمران والتطبيق وتنبيه السليقة لا بحشو رأسه بالقواعد وقتل وقته بمعرفة أوجه الإعراب حتى يقيم لسانه ويتنزه عن الخطأ الفاحش، ويبصر مرامي الكلام
1 / 154