على الطريق قابلنا فريقا من أربعة يعتصرون تحت أقدامهم وعصيهم وسيوفهم إنسانية آخر، لا يختلف عنهم كثيرا في ملامحهم، فيما تتواصل أحاديث البحث عن مخرج ومنقذ.
وحينما وصلنا إلى الفندق، كانت الحشود الجريحة تحاول اقتحامه للحصول على فرصة لمداواة جروحهم وأرواحهم. تردد المدير خشية على سمعة فندقه ذي النجوم الخمس، وفي النهاية وافق على منح بعضهم غرفتين من غرف الموظفين يداوون فيها تشوهاتهم.
تكدس الجميع، وحينما سألتهم عن هويتهم، أجابت عيونهم: «ليتنا نستطيع تمزيق بطاقاتنا لتكون أضحية عن أرواحنا.» هذا الختم اللعين كان سببا لكل هذا، لو كان يدرك آباؤنا، ما كانوا حاربوا طويلا من أجله. ولا تزال آذان الجميع تنصت إلى التلفاز حول مجهودات الإنقاذ.
سألني عجوز في احتضاره: «لماذا البشر قساة لهذا الحد؟» وتوقفت الإجابة في حلقي، فيما حلقت أنفاسه هو لحدود أخرى أكثر براحا.
على وقع الرصاص أرغمت على السير للحصول على مؤنة تضمن لنا الصمود بضعة أيام، تتحرك الحافلة، أحاول أن أمني نفسي بحماية المتمردين أو الثوار أو القوات الحكومية أو الأممية، ولكن هذا لا يمنح الحق في الحياة والاطمئنان.
في طريق العودة أرشدونا إلى طريق «نظيف»، وسارت بنا الحافلة تتهادى على وقع الجثث الطازجة، أخبرونا أن الطريق آمن، ولكن كيف يأمنون أرواحا تلعنهم آلاف المرات تحوم حولنا وحولهم. «أتستطيع حمايتي؟» أردد السؤال على رئيس الشرطة، وحينما لاحظت تردده، تابعت: «أستطيع أن أمنحك زجاجة جعة تشرب نخب دمائنا وأوطاننا، أو أعطيك عشرات من الدولارات التي ادخرتها من أصدقائي حينما كنت في خدمتهم وقبل رحيلهم عند بدء القتال.»
نردد لأطفالنا: «سيأتون لإنقاذنا.» رغم الشك، نمني أنفسنا بها، ثم نستمر في متابعة أجهزة الإذاعة والتلفزة، نتشبث بها كأمل أخير. الجميع يدلون بأحاديثهم حول مجهوداتهم، ويتجاهلون مجهوداتنا في توفير الرشاوى التي تكفيهم.
أصدقاؤنا من خلف المكاتب يؤكدون تحركاتهم لتوصيل معوناتهم، وحينما جاءت أخيرا؛ حملوا جميع اللحم الأبيض، ورحلوا. تركوا لنا فضلاتهم، ووطنا إما أن تصبح فيه قتيلا أو قاتلا، وطنا أصبح سببا إضافيا للقتل.
رحيل
أخيرا أعلنت المضيفة عن ضرورة ربط أحزمة الأمان، وبدء إقلاع الطائرة، أحاول جاهدة أن أغمض عيني لأنال قسطا من الراحة التي خاصمتني طوال الأسبوعين الماضيين، وسط النوم المضطرب والأحداث المتسارعة.
صفحة غير معروفة