كلمة المؤلف
1 - الحضارة الإسلامية
2 - الفن الإسلامي
3 - الطرز أو الأساليب أو المدارس المختلفةفي الفنون الإسلامية
4 - عناصر الزخرفة الإسلامية
5 - بعض خواص الفنون الإسلامية
6 - بعض مميزات العمائر الإسلامية
7 - أثر الفنون الإسلامية في فنون الغرب1
كلمة المؤلف
1 - الحضارة الإسلامية
صفحة غير معروفة
2 - الفن الإسلامي
3 - الطرز أو الأساليب أو المدارس المختلفةفي الفنون الإسلامية
4 - عناصر الزخرفة الإسلامية
5 - بعض خواص الفنون الإسلامية
6 - بعض مميزات العمائر الإسلامية
7 - أثر الفنون الإسلامية في فنون الغرب1
في الفنون الإسلامية
في الفنون الإسلامية
تأليف
زكي محمد حسن
صفحة غير معروفة
كلمة المؤلف
شرفني اتحاد أساتذة الرسم بدعوتي لإلقاء حديث عن الفنون الإسلامية على حضرات أعضائه ومن يلبي دعوتهم من المهتمين بالفنون والآثار، ثم تفضل الأستاذ الجليل زاهر بك، رئيس الاتحاد، فعرض علي أن يقوم الاتحاد بطبع هذا الحديث. وإني أحرص - في الوقت الذي أجيب فيه هذا الطلب - على أن أبين أن الوقت الذي خصص لهذا الحديث وثقافة الفنانين الذين أعد لهم، كل ذلك جعلني أنحو فيه نحوا خاصا، فاخترت بعض مسائل الفنون الإسلامية وميزاتها، وتكلمت عنها بشيء من الإفاضة، بينما لم أعرض لكثير من المسائل الأخرى، فأستميح القراء عذرا، وأرجو أن تكون قراءة هذا الحديث دافعا لهم على قراءة الكتب المطولة في الفنون والآثار الإسلامية، وعلى زيارة دار الآثار العربية، ودراسة ما فيها من المعروضات النفيسة.
ولا يسعني في ختام هذه الكلمة إلا أن أتقدم بوافر الشكر إلى صاحب العزة أحمد شفيق زاهر بك، رئيس الاتحاد، وإلى حضرات الأعضاء الأفاضل؛ لحسن ثقتهم بي، وللجهود التي يبذلونها في نشر الثقافة الفنية.
زكي حسن
دار الآثار العربية في 14 /4 /1938
الفصل الأول
الحضارة الإسلامية
ظل الناس حينا من الدهر يطلقون اسم «الحضارة العربية» على المدنية التي ازدهرت في ربوع الأمم الإسلامية، ولكن كثيرين من العلماء يبالغون بعض الشيء فيرون أن هذه الحضارة لا تصح نسبتها إلى العرب؛ لأنها لم تقم على أكتافهم، فهي تمثل عصبة الأمم الإسلامية كلها، وقد كان من بين هذه الأمم عرب وفرس وترك وبربر وهنود وصقالبة، فجمعهم العرب وطبعوهم بطابع الدين الإسلامي الجديد، وفرضوا عليهم حروفهم الأبجدية، بل نجحوا في أن يفرضوا على أغلبهم اللغة العربية نفسها، حتى قامت هذه اللغة بين الأمم الإسلامية مقام اللغة اللاتينية بين الأمم المسيحية في العصور الوسطى.
1
ويقول هؤلاء العلماء تأييدا لرأيهم هذا إن المشاهد في تاريخ الأمم الإسلامية أن أكثر رجال العلم والأدب والفن كانوا من الفرس
صفحة غير معروفة
2
أو السوريين أو المصريين الذين اعتنقوا الإسلام أو ظلوا على أديانهم القديمة، ولكنهم ازدهروا تحت لواء الإسلام، واشتغلوا للمسلمين الفاتحين. فهذه المدنية إذن مدنية إسلامية، ولكنها ليست عربية خالصة، وهي على كل حال الحلقة الأخيرة في تطور مدنية الشرق الأدنى التي نمت وترعرعت بين الفرس والبابليين والآشوريين والفينيقيين والآراميين والمصريين واليهود.
وقد يكون في الأخذ بهذه النظرية ظلم للعرب واستهانة بتراثهم في بعض ميادين الحضارة، فقد كان للعرب شعر وأدب ونظم اجتماعية، ولكننا لا نستطيع الشك في أنها نظرية صحيحة في ناحية خطيرة الشأن من نواحي المدنية، وهي ناحية الفنون.
فالمعروف أن العرب لم يكن لديهم قبل الفتوحات الإسلامية عمارة وفنون صناعية يمكن مقارنتها في الرقي والتقدم بفنون الأمم المتحضرة التي كانت تحيط ببلادهم، وليس هذا بضائرهم أبدا؛ فالأمم كالأفراد لا تستطيع أن تحيط بكل شيء، وحسب العرب فخرا ما قاموا به من فتوحات عظيمة وما خلفوه من تراث جليل.
الفصل الثاني
الفن الإسلامي
فلما فتح العرب العراق وإيران والشام ومصر وشمالي أفريقيا والأندلس؛ نما في أنحاء الإمبراطورية فن ليس من الإنصاف أن نسميه فنا عربيا
Arab Art ؛ لأن نصيب العرب فيه كان أقل من نصيب غيرهم من الأمم الإسلامية.
وقد كان الأوروبيون يسمونه أحيانا
Art Saracenic
صفحة غير معروفة
من كلمة
Saracens
التي لا نجد لها مرادفا في اللغة العربية، وهي لفظ من أصل يوناني
Saraceni
كان الإغريق يطلقونه قديما على سكان القبائل البدوية التي كانت تقطن غربي نهر الفرات، ويظن أنه مشتق من كلمتي «شرق» و«شرقيين»، ثم اتسع مدلول هذا اللفظ حتى شمل سكان شبه الجزيرة العربية عامة، وزاد استعماله في عصر الحروب الصليبية، فغلب على سكان الشرق الأدنى من المسلمين الذين كانوا يقاتلون الصليبيين. وإذا أردنا ترجمة هذا اللفظ إلى العربية لما وجدنا لتأدية معناه إلا «العرب» أو «الشرقيين».
وهكذا نرى أن لفظ
Art Saracenic
لا يصح أن يشمل في العرف الأوروبي إلا الفنون التي ازدهرت في بلاد العرب والعراق والشام، وربما في مصر أيضا، ولكننا لا نستطيع أن نطلقه في ثقة واطمئنان على الفنون الإسلامية في الأندلس وإيران وتركيا والهند.
وكذلك كان الأوروبيون يطلقون على الفن الإسلامي أحيانا اسم
Moorish art
صفحة غير معروفة
والمعروف أن كلمة
Moors
بالإنجليزية جاءت من
Moro
بالإسبانية - وهذه ترجع إلى كلمة
Mauri
التي كان الرومان يطلقونها على سكان شمال غربي أفريقيا، وقد كانوا يسمونها
Mauretania - وأصبح لفظ
Moors
يطلق على المسلمين في شمالي أفريقيا وفي الأندلس. فالفن المغربي أو
صفحة غير معروفة
Moorish art
هو الفن الإسلامي في إسبانيا وفي تونس والجزائر ومراكش دون غيرها من الأقطار الإسلامية.
وصفوة القول أن «الفن العربي
Arab art » أو «الفن الشرقي
Saracenic art » أو «الفن المغربي
Moorish art » كلها أسماء ليست جامعة، ولا شك في أن أفضل اسم للفنون التي ازدهرت في العالم الإسلامي هو «الفنون الإسلامية»؛ لأن الإسلام كان حلقة الاتصال بينها، ولأنه جمع شتاتها وجعلها وحدة متميزة على الرغم من تباين أصولها.
الفصل الثالث
الطرز أو الأساليب أو المدارس المختلفةفي الفنون الإسلامية
ومهما يكن من شيء، فإن الصناعات والمهن الحرة ظلت في أيدي أهل البلاد التي فتحها العرب، وتطورت الأساليب الفنية في كل إقليم من الأقاليم المفتوحة تطورا خاضعا فيه لكثير من القواعد التي فرضها عليها العرب الفاتحون، ونشأ من امتزاج العرب بأهل البلاد التي أخضعوها لسلطانهم فنون متشابهة في جملتها، متباينة في جزئياتها.
ومن ثم فإننا نستطيع، بوجه عام، أن نقول: إن الفن الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى بعد الهجرة كان يسوده طراز أموي أولا، ثم طراز عباسي بعد سقوط بني أمية سنة 750م، ولما ضعفت الدولة العباسية في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وخلفتهما دويلات وإمارات مستقلة في الأقاليم الإسلامية المختلفة، قامت على أنقاض الطراز العباسي أساليب فنية محلية يمكن تمييز كل منها، ولا سيما في ميدان العمارة؛ لأن منتجات الفنون الفرعية (أو الصناعية أو التطبيقية
صفحة غير معروفة
Minor arts ) كان من السهل نقلها من إقليم إلى آخر ، والتأثر بالأساليب الفنية فيها.
إذن فقد كان الفن الإسلامي بعد سقوط العباسيين يشتمل على طراز إسباني مغربي قام في شمالي إفريقية والأندلس، وعلى طراز مصري سوري قام في وادي النيل وفي سورية،
1
كما كان يشتمل على طراز فارسي في إيران، وطراز عثماني في الإمبراطورية العثمانية، وطراز هندي في الهند الإسلامية، وكان أيضا وثيق الصلة بفن صقلي نورمندي في جزيرة صقلية، وبفنون المدجنين والمستعربين، وهي الفنون التي قامت في إسبانيا بعد زوال سلطان المسلمين عنها. ويجدر بنا الآن أن نشير في إيجاز إلى كل طراز من هذه الطرز المختلفة في الفنون الإسلامية.
الطراز الأموي
كان استيلاء الأمويين على الخلافة وانتقال عاصمة الدولة الإسلامية من المدينة إلى دمشق خاتمة لعصر الخلفاء الراشدين، الذي غلب فيه على المسلمين تجنب البذخ والترف. وبدأ الأمويون يفكرون في تشييد مساجد توازي في العظمة كنائس المسيحيين، ويتخذون تحفا فنية تتفق وعظمة ملكهم الجديد، وكان جل اعتماد الأمويين في بداية الأمر على عمال وفنانين من البيزنطيين والسوريين المسيحيين تتلمذ عليهم العرب، ونشأ على يد الجميع الطراز الأموي في الفن الإسلامي، ونقل القواد والحكام وأتباعهم أصول هذا الطراز إلى سائر الأقاليم الإسلامية، وثبتت هذه الأصول في الأندلس، حتى إن سقوط الدولة الأموية في الشرق لم يكن له صداه في الأساليب الفنية الإسلامية بإسبانيا، ولا سيما أن هذا الإقليم الإسلامي خرج عن الدولة العباسية، ونشأت فيه دولة أموية غربية كان لها طراز أموي غربي احتفظ بكل الأساليب الفنية في الطراز الأموي الشرقي.
2
وأهم الأبنية التي تنسب إلى الأمويين قبة الصخرة التي تقع في وسط الحرم الشريف ببيت المقدس، ثم الجامع الأموي بدمشق وبعض قصور بناها الخلفاء في بادية الشام؛ كقصير عمرى، وقصر المشتى، وقصر الطوبة.
أما قبة الصخرة فيطلق عليها في بعض الأحيان اسم جامع عمر؛ لأن عمر بن الخطاب كان قد أقام في موضعها مصلى من الخشب، ثم شيد عبد الملك بن مروان على أنقاضه البناء الحالي سنة 690، وهو على شكل مثمن فوقه قبة عالية تغطيها فسيفساء عليها زخارف باللونين الأخضر والذهبي ، والقبة محمولة على دائرة من أعمدة ضخمة من الرخام الأخضر، وذات تيجان مذهبة، وقد عني عبد الملك بقبة الصخرة عناية زائدة؛ لأنه أراد أن يحول الحج من مكة إليها حين كانت الكعبة في يد منافسه عبد الله بن الزبير. وعلماء الآثار متفقون في أن عمارة هذا البناء مأخوذة من عمارة الكنائس المسيحية البيزنطية، بيد أننا نلاحظ أن هذا الشكل المثمن لم يتكرر في تصميم الجوامع الإسلامية؛ لأنه كان ملائما كل الملاءمة ليحيط بالصخرة المقدسة في الحرم الشريف؛ ولكن تصميم الكنائس المعروفة بالباسيليكا كان أوفق للعبادة الإسلامية، وقد اتخذه المسلمون في أكثر الأحيان أساسا لتصميمات مساجدهم.
أما الجامع الأموي بدمشق، فقد أقامه الخليفة الوليد بن عبد الملك على أنقاض كنيسة القديس يوحنا، وفي وسطه الآن صحن كبير تحيط به أروقة وعقود وإيوانات من الحجر تحملها في الشمال دعائم
صفحة غير معروفة
، وفي الشرق والغرب دعائم وأعمدة، وأكبر هذه الأروقة رواق القبلة، ويشمل ثلاث بلاطات
bays
تقوم في وسطها قبة.
ولا شك في أننا نشاهد التأثير الذي كان لتصميم الجامع الأموي على تصميم الجوامع التي شيدت في الأمصار الإسلامية المختلفة في ذلك العصر؛ كجامع القيروان، وجامع الزيتونة بتونس، وجامع قرطبة بإسبانيا.
والقصور التي شيدها الخلفاء في بادية الشام أكثرها أبنية مربعة الشكل وسطها حيشان تحيط بها غرف للسكنى، وكان يأوي إليها الأمراء للصيد أو حين تنتشر الأمراض في المدن، وكان الجزء المهم في بعضها حماما كما في قصر عمرى، وكان البعض الآخر يشبه الحصون الصغيرة، وعلى كل فإن في تصميم هذه القصور وفي زخارفها عناصر عراقية وفارسية، إلى جانب العناصر الشرقية المسيحية التي امتاز بها هذا العصر وتلك الأقاليم.
وقد اشتهر قصر عمرى بما فيه من نقوش آدمية على الأسقف والجدران بألوان زاهية، وأساليب فنية بيزنطية متأثرة في بعض نواحيها بالتقاليد الإيرانية.
الطراز العباسي
لما استولت الدولة العباسية على مقاليد الحكم سنة 750م، أصبحت السيادة في العالم الإسلامي للعراق دون الشام، وأدى ذلك إلى تغيير كبير في أساليب العمارة والزخرفة، فانتقل البناءون إلى استعمال الآجر بدلا من الحجر، وإلى بناء القوائم
بدلا من اتخاذ الأعمدة
columns ، وغلبت الأساليب الفنية الفارسية على الفنون الإسلامية، كما غلب الطابع الفارسي على الأدب والحياة الاجتماعية. وفي سنة 762، شيد الخليفة المنصور مدينة بغداد على نهر دجلة محاولا بناءها على شكل دائرة في وسطها القصر والجامع، ويحيط بها سور كبير فيه أبراج ويوازيه سور آخر.
صفحة غير معروفة
وفي سنة 836، شيد الخليفة المعتصم مدينة سامرا أو سر من رأى على الضفة اليمنى لنهر دجلة، وعلى بعد مائة متر شمالي بغداد، واتخذها عاصمة جديدة للدولة. وقد ذاع صيت سامرا بالقصور العظيمة التي شيدها فيها المعتصم وخلفاؤه، حتى هجرها الخليفة المعتمد سنة 883، وأرجع البلاد والحكومة إلى بغداد، وسقطت أبنيتها الواحد بعد الآخر اللهم إلا الجامع. وقبيل الحرب العظمى قامت بعثات علمية أوروبية بحفائر كبيرة للكشف عن أنقاضها، ولا يخفى أن لهذه الأنقاض أهمية كبيرة في تاريخ الفن الإسلامي، ولا سيما في مصر؛ لأن أحمد بن طولون - الذي كاد أن يستقل بحكم وادي النيل سنة 868م - كان قد نشأ في سامرا، فنقل إلى مصر ما كان في العراق من أساليب العمارة والزخرفة. ويتجلى ذلك كله في جامع أحمد بن طولون الذي يعتبر في عمارته وزخرفته الجصية مثالا حيا من أمثلة الفن العراقي في القرن التاسع الميلادي.
وقد تم بناء هذا الجامع سنة 878، وهو يتكون من صحن مربع مكشوف، وتحيط به أروقة من جوانبه الأربعة، وتقع القبلة في أكبر هذه الأروقة، وهناك ثلاثة أروقة خارجية بين جدران الجامع وبين سوره الخارجي، وتسمى الزيادات، ولعلها بنيت حينما ضاق الجامع عن المصلين، وجامع ابن طولون مشيد بآجر أحمر غامق، وأقواس الأروقة محمولة على دعائم ضخمة من الآجر تكسوها طبقة سميكة من الجص، بدلا من الأعمدة التي كان المسلمون يأخذونها من الكنائس والمعابد القديمة، ولكن أهم ما يمتاز به هذا الجامع هو مئذنته أو منارته التي تقع في الرواق الخارجي الغربي، فتكاد لا تتصل بسائر بناء الجامع، وهي مبنية بالحجر، وتتكون من قاعدة مربعة تقوم عليها طبقة أسطوانية وعليها طبقة أخرى مثمنة. وأما السلالم فمن الخارج على شكل مدرج حلزوني، وليس لهذه المنارة نظير في الأقطار الإسلامية، اللهم إلا في المسجد الجامع وفي مسجد أبي دلف بسامرا.
وأبنية الجامع الطولوني مغطاة بطبقة سميكة من الجص، وعلى أجزاء كبيرة منها زخارف هندسية جميلة مأخوذة عن الزخارف العراقية في سامرا. وقد عثرت دار الآثار العربية في حفائرها بجهة أبي السعود جنوبي القاهرة على بيت من العصر الطولوني على جدرانه زخارف جصية مأخوذة عن نوع من الزخارف الجصية في سامرا.
ومما امتاز به العصر العباسي نوع من الخزف ذو بريق معدني
lustre
ذاع استخدامه في العراق وإيران ومصر والشام وإفريقية والأندلس، وكانت تصنع منه آنية يتخدها الأمراء والأغنياء عوضا عن أواني الذهب والفضة التي كان استعمالها مكروها في الإسلام؛ لما تدل عليه من البذخ والترف المخالفين لتعاليم الدين، كما كانت تصنع منه أيضا تربيعات تكسى بها الجدران كالتي لا تزال باقية حتى الآن في جامع القيروان.
وقد وصلت إلينا بعض صور وتزاويق من العصر العباسي وجدت على بعض الجدران في أطلال مدينة سامرا، وأشهر هذه الصور رسم فيه راقصتان، ويشهد بما كان للأساليب الفنية الفارسية من تأثير على التصوير في العصر العباسي.
الطراز الإسباني المغربي
قام في المغرب والأندلس على يد دولة الموحدين في القرن الثاني عشر الميلادي، والمعروف أن جمع المغرب والأندلس تحت سلطان واحد حدث على يد المرابطين، وهم أسرة من المسلمين البربر كانت تحكم شمالي أفريقيا منذ القرن الحادي عشر، ثم حدث أن استعان بها مسلمو الأندلس لمقاومة تقدم المسيحيين في طرد المسلمين من إسبانيا، فهب المرابطون لنجدة المسلمين في الأندلس مرة، ثم ساروا لنصرتهم مرة أخرى، ضموا بعدها بلاد الأندلس الإسلامية إلى دولتهم في إفريقية سنة 1090، ولكن دولة المرابطين في المغرب لم تلبث أن اضمحلت وخلفتها أسرة الموحدين سنة 1130، وأرسل الموحدون إلى الأندلس جيشا استولى عليها بين سنتي 1145 و1150، وظلوا يجاهدون ضد المسيحيين حتى هزموا سنة 1235، وكان ذلك نذير طردهم من إسبانيا، ومنذ سنة 1236 صار نفوذ المسلمين في إسبانيا قاصرا على مملكة غرناطة التي كان يحكمها بنو نصر، والتي سقطت في سنة 1492، فانتهى بسقوطها حكم المسلمين في الأندلس.
وقد كانت الزعامة في ميدان هذا الفن الإسباني المغربي لمراكش وإسبانيا، بينما لم يكن فيه للجزائر أو لتونس شأن خطير، ولا غرو فقد كانت الصلة وثيقة بين مراكش والأندلس حين كان الإقليمان خاضعين للموحدين، ثم بعد أن سقط الموحدون في بداية القرن الثالث عشر، وغدت الأندلس الإسبانية ممثلة في بني نصر بغرناطة، بينما كان يحكم مراكش بنو مرين (سنة 1195-1470). فإلى عصر الموحدين تنسب بعض العمائر الشهيرة في الطراز المغربي؛ كجامع الكتبية في مراكش، والأبواب الجميلة في رباط ومراكش، وكالجيرالدا (منارة جامع أشبيلية)، وإلى عصر بني نصر في غرناطة يرجع قصر الحمراء سيد العمائر المغربية على الإطلاق، وقصر جنة العريف، كما ترجع إلى عصر بني مرين المدارس الجميلة في مراكش. واضمحل الفن المغربي في القرن الخامس عشر، وكانت له نهضة ثانية على يد أسرة الأشراف السعديين في مراكش. ويرجع إلى عهد هذه الأسرة مشهد السعديين المشهور ومدرسة بني يوسف في مراكش.
صفحة غير معروفة
ومن مميزات الطراز الإسباني المغربي استخدام نوع من العقود على هيئة حدوة الفرس، واستخدام الدعائم المبنية من الآجر عوضا عن الأعمدة، مما يكسب الأبنية هيبة وجلالا عظيمين.
ولسنا نستطيع أن نستعرض هنا الظواهر المعمارية التي اختص بها هذا الطراز، وطبعته بطابع خاص يميزه عن سائر الطرز الإسلامية، وحسبنا أن نذكر المآذن المربعة (شكل
6-1 ) والطنف أو الأفاريز الخشبية التي كانت تظل البوابات الخمسة. ونلاحظ أن الأعمدة في قصر الحمراء وفي العمائر التي تأثرت بهذا القصر قد امتازت برشاقتها وجمالها وتيجانها ذات الدلايات أو المقرنصات، كما أن استخدام الفسيفساء من الخزف في تغطية الجدران، والإسراف في الزخارف المحفورة على الجص ظاهرتان قويتان في الطراز الإسباني المغربي.
شكل 3-1: منظر في قصر الحمراء بغرناطة يمثل صحن الرياحين برج قمارش.
كانت كل الظواهر المعمارية المذكورة تتجلى في العمارة الإسبانية المغربية، ولا سيما المساجد والأضرحة، وفي القصور التي يرجع أقدم الباقي منها - وهو قصر الحمراء (شكل
3-1 ) - إلى القرن الرابع عشر، كما امتاز هذا الطراز بكثرة أبنية المدارس، أدخلها سلاطين الموحدين في إسبانيا والمغرب. وذاع صيت مدينة فاس بكثرة المدارس التي كانت تشتمل غالبا على عدة غرف للطلاب، وعلى قاعة كبيرة للدرس كانت تستخدم للنوم أيضا، وكان بناء المدرسة من طابقين، وفي وسطه صحن مكشوف، ولم يكن هناك قسم في البناء لأتباع كل مذهب من المذاهب الأربعة؛ لأن هذه المدارس كانت كلها للمذهب المالكي.
الطراز المصري السوري
كان الفن بمصر في العصر الطولوني (868-905) تابعا للأساليب الفنية العباسية، ولما فتح الفاطميون مصر سنة 969، ثم استولوا على جزء كبير من الشام، وصارت لهم دولة عظيمة نشأ على يدهم الطراز المصري السوري، وتطور بعد ذلك على يد المماليك (1250-1517) تطورا بعيد المدى، حتى ليمكننا أن ننسب إلى الفاطميين طرازا خاصا، وإلى المماليك طرازا آخر، ولكننا لسنا في معرض تفصيل المميزات الدقيقة في كل منهما، فلا بأس من أن نعتبرهما هنا طرازا واحدا، وأن ننظر في مميزاتهما على وجه عام.
وقد كان الطراز المصري السوري أكثر اعتدالا واقتصادا في الزخرفة من سائر الطرز الإسلامية، ولا سيما الطراز الإسباني المغربي.
وقد تأثر الفاطميون بالأساليب الفنية الفارسية بعض التأثير، فكثر رسم الإنسان والحيوان على التحف التي ترجع إلى عصرهم، وفي دار الآثار العربية ألواح خشبية كانت في أحد قصورهم، وعليها زخارف محفورة تمثل مناظر صيد وطرب وموسيقى وسفر، وغير ذلك من صور الحياة اليومية (شكل
صفحة غير معروفة
7-9 )، كما نجد كثيرا من صور الحيوانات على الخزف ذي البريق المعدني، التي تعتبر صناعته من مفاخر العصر الفاطمي، وعلى قطع النسيج الفاخر التي كان لها تأثير كبير في صناعة النسيج في صقلية وفي إسبانيا.
وقد بقي من عمائر العصر الفاطمي الجامع الأزهر، ومن الظواهر المعمارية التي يمتاز بها العقود الفارسية الطراز، وهي مبنية من الآجر، وعليها طبقة من الجص غنية بزخارفها النباتية والخطية، ومن أبنيتهم أيضا جامع الحاكم، ويمتاز بمنارته ذات القواعد الحجرية، والجامع الأقمر الذي يمتاز بواجهته ذات الزخارف الجميلة، وفي العصر الفاطمي استخدمت القباب فوق الأضرحة التي شيدت لبعض أولاد الإمام علي. وقد كانت القباب قبل ذلك تبنى فوق جزء من أبواب المحراب في المسجد، وصفوة القول أن الفن في العصر الفاطمي كان زاهرا وكانت قصور الفاطميين عامرة بالتحف الفنية التي أقبلوا على جمعها، وأفاض في وصفها المؤرخون والرحال.
3
أما عصر الدولة الأيوبية (1171-1250) فقد امتاز بالعمائر الحربية ولا سيما القلعة، كما امتاز بالمدارس الكثيرة التي شيدها الأيوبيون لتدريس المذاهب الأربعة، ومحاربة العقيدة الشيعية؛ ولذلك كانت هذه المدارس صليبية الشكل، ولكل مذهب فيها رواق. ومن الظواهر المعمارية في العصر الأيوبي القباب الجميلة المحلاة زواياها بالمقرنصات كقبة الإمام الشافعي. أما في الزخرفة فقد انصرف الفنانون عن رسوم الإنسان والحيوان، وأبدعوا في الزخارف النباتية والهندسية، على أن عصر المماليك في مصر هو الذي جعل القاهرة متحفا عظيما، تتيه بما فيها من مساجد وقصور تتجلى فيها عظمة الطراز المصري السوري، ولا يحد إعجاب المشاهد ما فيها من زخارف دقيقة، وفسيفساء بديعة، ورخام متنوع الألوان، وشرفات مسننة، وأبواب ضخمة، ومآذن رشيقة، وقباب منمقة وحسنة النسب. ومن أشهر هذه العمائر جامع الظاهر بيبرس، وجامع قلاوون، وجامع الناصر بالقلعة، وجامع السلطان حسن، وهو أحسن مثال للمدارس ذات الأربعة الأروقة، فضلا عن أنه جمع بين الضخامة ودقة الزخارف، ثم جامع المؤيد، ويمتاز بمحرابه وبمنبره وبجدرانه المكسوة بالفسيفساء الجميلة.
شكل 3-2: مشكاة من الزجاج المموه بالمينا، صناعة مصر أو سورية في القرن الرابع عشر.
ومن التحف النفيسة التي امتاز بها الطراز المصري السوري المشكاوات المصنوعة من الزجاج المموه بالمينا التي كانت تزدان بها مساجد القاهرة (شكل
3-2 )، وتفخر دار الآثار العربية بامتلاك أكبر عدد منها في العصر الحاضر، كذلك تقدمت صناعة الخزف في عصر المماليك تقدما كبيرا، وأتقن الفنانون المسلمون في مصر الزخارف النباتية والهندسية على الأحجار والأخشاب والأقمشة والمعادن.
ودار الآثار العربية في القاهرة متحف ثمين يكمل القاهرة نفسها بمساجدها وعمائرها للدلالة على عظمة الطراز المصري السوري، وامتيازه بين سائر الطرز الإسلامية بحسن الذوق وروعة المنظر.
الطراز الفارسي
إذا ذكرت إيران في الفن الإسلامي، فإن أول ما ينصرف إليه الفكر هو الصور البديعة التي رقمها الفنانون الفرس، والسجاد الجميل الذي لا يزال محط إعجاب الشرقيين والغربيين حتى الآن. وقد امتاز الطراز الفارسي بالزخارف النباتية ولا سيما الزهور، وبالإسراف في رسوم الإنسان والحيوان والطيور على مختلف التحف الفنية. وقد عني الفرس بصدق تمثيل الطبيعة ومحاكاة الحياة في رسومهم النباتية. ولعل بعض السر في ذلك أنهم تأثروا بالأساليب الصينية في هذا الميدان.
صفحة غير معروفة
شكل 3-3: مسجد قم بإيران.
شكل 3-4: مدخل مسجد شاه بأصفهان.
أما العمائر في الطراز الفارسي فتمتاز بكسوتها بألواح القاشاني التي نبغ الفرس في صناعتها.
ومن أزهى عصور هذا الطراز حكم الأسرة الصفوية في القرن السادس عشر والسابع عشر، وإليه يرجع الميدان الشاهاني في أصفهان، وهو من أجمل ميادين العالم، ويعد الجامع المطل عليه أفخم الجوامع الفارسية.
ومن الظواهر المعمارية في هذا الطراز العقد الفارسي (شكل
3-4 ) والوجهة المستطيلة التي يحف بها من الجنبين مئذنة أسطوانية الشكل، دقيقة الطرف في أعلاها، حيث تقوم شرفة تجعلها كالفنار (شكل
3-3
و
3-4 ).
الطراز التركي
صفحة غير معروفة
سقط السلاجقة في القرن الرابع عشر، وآل الحكم في آسيا الصغرى إلى العثمانيين الذين استطاعوا الاستيلاء على القسطنطينية سنة 1453، وامتد ملكهم حتى وصل في القرن السادس عشر إلى المجر ومصر والعراق، وقام بينهم طراز فني إسلامي امتاز بتأثير الأساليب المعمارية البيزنطية من ناحية، وبتأثير الطراز الفارسي والأساليب الفنية السلجوقية من ناحية أخرى.
وقد كانت العلاقات وثيقة بين الترك والأوروبيين، فما لبث الطراز التركي أن تأثر منذ بداية القرن الثامن عشر بالأساليب الفنية في طراز الباروك الأوروبي، ثم في منتصف القرن الثامن عشر بطراز الروكوكو.
ولعل خير ما أنتج الترك تحف القاشاني والخزف التي كانت تصنع في آسيا الصغرى في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وامتازت بألوانها الجميلة وما فيها من رسوم الزهور والنباتات، كما اشتهر الترك بصناعة السجاجيد الصغيرة للصلاة، وبكتابة المصاحف وتذهيبها بالخط الجميل، وبنسج الأقمشة الحريرية البديعة وتطريزها بالموضوعات الزخرفية النباتية الجميلة، مما كان له أعظم الأثر على المنسوجات الإيطالية ومنسوجات الجزائر اليونانية.
شكل 3-5: جامع السلطان أحمد الأول في إسطنبول .
أما المساجد التركية فتمتاز بمآذنها الممشوقة والمتعددة، وبتصميمها الذي يشبه تصميم كنيسة أيا صوفيا، فيتكون من مربع فسيح تعلوه قبة كبيرة يحيط بها أنصاف قباب صغيرة (شكل
3-5 ).
ومن أعظم الذين اشتهروا في تاريخ العمارة الإسلامية المهندس التركي سنان، المتوفى سنة 1578، ومن تصميمه جامع شاه زادة، وجامع السليمانية، وجامع البايزيدية. وقد امتاز الطراز التركي بما شيد فيه من قصور وأسبلة ومساجد، أكثرها مكسو بالقاشاني الجميل.
الطراز الهندي
تأثرت الهند الإسلامية بالطراز الفارسي تأثرا كبيرا، حتى إن كثيرين من العلماء يعتبرون الأساليب الفنية الإسلامية فيها منذ عصر المغول جزءا من الطراز الفارسي، ولكن الواقع أن العمائر التي قامت في الهند تحت لواء الإسلام في القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر احتفظت بظواهر معمارية خاصة بها، كما أن الفنانين الهنود اختاروا زخارف وألوانا تتفق وتراثهم الهندي القديم، فيحسن اعتبار الطراز الهندي طرازا قائما بذاته. وقد امتاز عصر الأباطرة «أكبر» (1556-1605) و«جهانجير» (1605-1628) و«شاه جهان» (1628-1659) بازدهار العمائر والفنون، وكانت العاصمة «أجرا» ثم فتح بور سكرى ثم لاهور ثم دلهي. ولا تزال هذه المدن محتفظة ببعض بدائع هذا الطراز الذي امتاز على الخصوص بما شيد فيه من أضرحة، مثل: تاج محل، وضريح محمود عادل شاه.
شكل 3-6: صورة مسجد الجمعة في دلهي بالهند.
صفحة غير معروفة
وتمتاز العمائر الهندية باستخدام العقود الفارسية، وبمآذنها الأسطوانية، وبقبابها البصلية الشكل، وبزخارفها الدقيقة. وقد كان تأثير الطراز الفارسي أظهر في المساجد منه في سائر العمائر؛ كالقصور والبيوت والقلاع، ويمتاز الطراز الهندي كذلك بالقباب الصغيرة فوق الوجهات الكبيرة (شكل
3-6 ).
أما الصور الهندية، فقد ورثت كثيرا من تقاليد التصوير الفارسي، ولكنها تختلف عنه في الألوان والمناظر الطبيعية ووجوه الأشخاص (أشكال رقم
7-22
إلى
7-29 ).
الفصل الرابع
عناصر الزخرفة الإسلامية
الفنون الإسلامية زخرفية قبل كل شيء، فسوف نرى أن الفنان في الإسلام لا يكاد يحتمل رؤية مساحة خالية من الرسوم والزخارف. وعناصر الزخرفة في الإسلام أربعة: (1)
الصور الآدمية والحيوانية. (2)
صفحة غير معروفة
الرسوم الهندسية. (3)
الزخارف النباتية. (4)
الزخارف الخطية.
الصور الآدمية والحيوانية
عرف المسلمون الصور الآدمية ورسوم الحيوانات، ولكن تمثيل الكائنات الحية كان مكروها في الإسلام بوجه عام، وليس في القرآن شيء عن هذا التحريم؛ لأن كلمة «الأنصاب» في الآية التي كان المستشرقون وغيرهم يذكرونها في هذه المناسبة
1
لا يقصد بها سوى الأحجار الكبيرة والأصنام التي كان العرب يعبدونها ويقدمون لها القربان، ولكن كتب الحديث - وهي لم توضع إلا بعد وفاة النبي بأكثر من قرنين من الزمان - تنسب إليه بعض أحاديث تحرم تمثيل الكائنات الحية أو تصويرها. وقد يكون صحيحا أن هذه الأحاديث موضوعة، وأنها لا تعبر إلا عن الرأي الذي كان سائدا بين رجال الدين منذ القرن الثالث بعد الهجرة، ولكننا نميل إلى القول بأن كراهية التصوير في الإسلام ترجع إلى عصر النبي نفسه، وأن أساسها الرغبة في إبعاد المسلمين عن الصور والتماثيل التي تقربهم من عبادة الأصنام، كما أن البساطة والترف اللذين كانا سائدين في فجر الإسلام كانا لا يشجعان على نحت التماثيل أو رقم الصور.
وقد قيل إن المسلمين في كراهتهم تصوير المخلوقات الحية كانوا متأثرين بما كان سائدا عند اليهود، حتى إن الأحاديث النبوية التي تروى في تحريم التصوير تشبه في عباراتها التعاليم اليهودية في هذا التحريم.
والمعروف أن الأمم السامية عامة كانت تكره التصوير، أو لم تكن لها فيه مواهب كبيرة وأساليب فنية راقية، بل يقال أيضا إنها كانت تنسب للصور تأثيرا سحريا ليس هنا مجال شرحه.
وكانت كراهية التصوير وعمل التماثيل عامة بين رجال الدين في الإسلام على اختلاف مذاهبهم من سنيين وشيعيين. ولكن هذا النهي عن تمثيل الكائنات الحية وتصويرها لم يكن يراعى بين المسلمين في كل زمان ومكان، بل كان لا يلتفت إليه في أحيان كثيرة، ولا سيما بين الأمم الإسلامية التي لم تكن سامية الأصل، أو التي كان لها تراث فني ومواهب في التصوير تجعل إقلاعها عنه ليس هينا، كما كان هينا عند العرب أنفسهم. وهذا هو السر في ازدهار صناعة الصور والرسوم التوضيحية
صفحة غير معروفة
miniature painting
في إيران والهند وتركيا، وبه يفسر أيضا وجود الصور الآدمية والحيوانية على منتجات الطراز الفارسي في الفن الإسلامي ، وعلى منتجات العصر الفاطمي بمصر، ولا دخل للمذهب الشيعي في ذلك، فإن الأيوبيين مثلا كانوا من أبطال المذهب السني، ومع ذلك فقد كانوا يقبلون على التحف المعدنية ذات الموضوعات الزخرفية المستمدة من الإنجيل. وفضلا عن ذلك فإن الهنود، والترك، والمسلمين الذين شيد لهم قصر الحمراء، والذين صنعت لهم التحف العاجية ذات الزخارف الآدمية، كل هؤلاء كانوا سنيين، بل إن إيران لم تتخذ المذهب الشيعي مذهبا رسميا لها إلا منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي.
ومهما يكن من شيء، فإن كراهية تصوير المخلوقات الحية كان لها تأثير عميق في طبيعة الفنون الإسلامية يمكن تلخيصه في الأمور الآتية: (أ)
جعلت المسلمين ينصرفون إلى إتقان أنواع أخرى من الزخرفة بعيدة عن تجسيم الطبيعة الحية أو تصويرها، وقد أفلحوا في هذا الميدان حتى أصبحت العناصر الزخرفية التي ابتدعوها طابعا على فنونهم، وصارت تنسب إليهم كما يظهر من لفظ «أرابسك». (ب)
أن المساجد وأثاثها والمصاحف روعي في زخارفها استبعاد رسوم الكائنات الحية، فأصبحت في الغالب خالية من الصور والتماثيل التي يستعان بها على شرح العقائد الدينية، وتوضيح تاريخ الدين وحياة أبطاله، كما في المسيحية مثلا. (ج)
أن الفنون الإسلامية لا تظهر فيها عبقرية النحات؛ فالتماثيل التجسيمية لا يكاد يؤبه لها، والفنانون ينصرفون إلى العمارة وإلى زخرفة المباني وتزيين التحف بالرسوم الفنية. (د)
أن صناعة التصوير التي ازدهرت عند الفرس والهنود المسلمين والترك لم تعرض للموضوعات الدينية إلا فيما ندر. أجل إن بعض المصورين رسموا صورا لعدد من الحوادث المشهورة في تاريخ الرسل المختلفين، كما أنهم رسموا صورا لبعض الحوادث في السيرة النبوية (ميلاد النبي - مقابلة النبي للراهب بحيرا في الشام - وضع الحجر الأسود في الكعبة بيد النبي - نزول الوحي - الهجرة إلى يثرب مع أبي بكر - الإسراء والمعراج - تكسير النبي للأصنام في الكعبة بعد فتح مكة - حادث غدير خم الذي يزعم الشيعة أن النبي أوصى عنده بالخلافة لعلي بن أبي طالب)، ولكن أمثال هذه الصور كانت نادرة ولم تحز رضاء رجال الدين، حتى ليمكننا أن نرى في هذا الميدان فرقا عظيما بين الفنون الإسلامية والفنون الغربية، فقد كان المصورون في الغرب على اتصال وثيق بالكنيسة يستلهمونها موضوعاتهم، ويستمدون منها تشجيعهم، فغلب على منتجاتهم الطابع الديني إلى عصر غير بعيد، بينما كان رجال الدين في الإسلام ينبذون المصورين، ولا يقدرون مواهبهم الفنية، ولا يمنحونهم أي تعضيد.
شكل 4-1: غطاء إبريق من الفخار عليه زخارف محفورة ومنقوشة، وهو من صناعة إيران في القرن الحادي عشر الميلادي، ومحفوظ الآن بمتحف متروبوليتان في نيويورك.
شكل 4-2: كأس من الخزف مذهبة ومنقوشة بالألوان من صناعة مدينة الري بإيران في القرن الثالث عشر محفوظة بمتحف اللوفر في باريس. (ه)
أن علت مكانة الخطاطين في الإسلام لعنايتهم بكتابة القرآن، ولأن فنهم لم يكن مكروها من رجال الدين، وكان يليهم في خطر الشأن المذهبون الذين كانوا يزينون بجميل الرسوم الهندسية والنباتية بعض صفحات المخطوطات. وقد زاد الإقبال على منتجات هؤلاء الفنانين حتى إن الذين لم يستطيعوا شراء مخطوط بأكمله كانوا يقنعون بالحصول على نموذج من كتابة خطاط مشهور، وأصبحت هذه النماذج ضالة الهواة، وارتفعت أثمانها - وكانت في الغالب آيات قرآنية أو أبياتا من الشعر - وجمع منها الأمراء والأغنياء في الهند وإيران وتركيا ومصر المجموعات الفاخرة. وكان على أكثر هذه النماذج توقيع الخطاطين، ومن أعلاهم كعبا ابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي. (و)
صفحة غير معروفة
أن أكثر الفنانين المسلمين لم تكن لهم براعة مشهورة في الرسوم الآدمية والحيوانية، ولم يكن دأب الفنان صدق تمثيل الطبيعة، بل كانت له أساليب اصطلاحية ظلت باقية في أرقى عصور الفن، فقل أن نجد عناية بجسم الإنسان ونسب الأعضاء، وقوة التعبير في الوجوه للدلالة على المشاعر المختلفة، اللهم إلا على يد نفر قليل من أعاظم المصورين الذين نبغوا في إيران، والرسوم العارية لا تكاد تكون معروفة في التصوير الإسلامي، وقوانين المنظور مهملة.
2
وقد تبدو الصور الفارسية مملة لتشابهها، واشتراك المصورين في إهمال الظل والضوء، وفي رسم الأشخاص في أوضاع معينة تفقد أكثرها شيئا من الروح والحركة ودقة التعبير، ولكنها مع ذلك لها سحرها وجمالها ؛ لأننا نستطيع أن نقول في ثقة واطمئنان: إن الفنانين المسلمين لم يصوروا الإنسان أو الحيوان، وإنما كانوا يتخذون منهما موضوعات زخرفية. (ز)
كان لكراهية التصوير في الإسلام صداها في المسيحية؛ فقد ثبت أن القائمين بحركة كاسري الصور
iconoclasts
عند المسيحيين في القرن الثامن الميلادي كانوا متأثرين بتعاليم المسلمين في هذا الصدد.
الرسوم الهندسية
عرفت الفنون التي سبقت الإسلام ضروبا كثيرة من الرسوم الهندسية، ولكن هذه الرسوم لم يكن لها في تلك الفنون شأن خطير، وكانت تستخدم في الغالب كإطارات لغيرها من الزخارف. أما في الإسلام فقد أضحت الرسوم الهندسية عنصرا أساسيا من عناصر الزخرفة.
شكل 4-3: صورة حمال على قطعة من صحن خزفي ذي بريق معدني يرجع إلى العصر الفاطمي في القرن الحادي عشر، ومحفوظ الآن بمجموعة صاحب السعادة أراكيل نوبار باشا. والمعروف أن الخزف ذا البريق المعدني من العصر الفاطمي يكون مزينا برسوم آدمية وحيوانية ونباتية جميلة، كما يظهر من المجموعة الثمينة المحفوظة في دار الآثار العربية بالقاهرة، ولكن رسم مثل هذا الحمال نادر جدا في الفنون الإسلامية، بل إننا لا نعرفه إلا على قطعة من صندوق عاجي في مجموعة كران
Carrand
صفحة غير معروفة
المحفوظة بمتحف البارجلو
Bargello
بمدينة فلورنسة.
شكل 4-4: إناء من النحاس من صناعة مصر في عصر المماليك، وتظهر في الصورة زخرفة في قاع الإناء من الداخل، قوامها ست سمكات ملتفة في وضع هندسي جميل حول دائرة صغيرة في وسط القاع، كما يظهر في سطح الإناء صورة الكأس وهي «رنك» الساقي أو شارته في عصر المماليك. وهذا الإناء من مجموعة حضرة صاحب السعادة أراكيل نوبار باشا. ويذكر شكل هذا الإناء وزخرفته بالأواني التي كانت تصنع من الفخار المطلي بالمينا في عصر المماليك، والتي يوجد على أكثرها رسوم رنوك، وزخارف هندسية مختلفة، وعبارات بالخط النسخي المملوكي فيها أدعية معروفة أو جمل مأثورة.
ولسنا نريد هنا أن نعنى عناية خاصة بالرسوم الهندسية البسيطة كالمثلثات والمربعات والمعينات والأشكال المخمسة والسداسية، كما لا تعنينا أيضا الأساليب الهندسية التي كان لها شأن يذكر في الزخارف الساسانية البيزنطية؛ كالدوائر والعصائب والجدائل المزدوجة، والخطوط المنكسرة، والخطوط المتشابكة، ولكنا نقصد الرسوم الهندسية التي امتازت بها الفنون الإسلامية، ولا سيما في عصر المماليك بمصر، تلك هي التراكيب الهندسية ذات الأشكال النجمية المتعددة الأضلاع، وهي التي ذاعت في مصر واستخدمت في زخارف التحف الخشبية (شكل
4-5 )، والنحاسية (شكل
4-6 )، وفي الصفحات الأولى المذهبة في المصاحف والكتب، وفي زخارف السقوف وغير ذلك. وقد أتقن المسلمون هذا النوع وانصرفوا إلى الابتكار والتعقيد فيه.
وقد عني الأستاذ برجوان الفرنسي
Bourgoin
بدراسة هذه الزخارف الهندسية المعقدة، وبتحليلها إلى أبسط أشكالها
صفحة غير معروفة
3
ويتجلى من دراسته الطريفة أن براعة المسلمين في الزخارف الهندسية لم يكن أساسها الشعور والموهبة الطبيعية فحسب، بل كانت تقوم على علم وافر بالهندسة العلمية، وأعجب الغربيون بهذه الرسوم الهندسية، وقلدها بعضهم، حتى ليروى عن ليوناردو دافينشي أنه كان يقضي ساعات طويلة يرسم فيها الزخارف الهندسية الإسلامية (شكل
4-7 ).
شكل 4-5: مصراع باب فيه حشوات من العاج المحفور والمنزل، وهو من الصناعة المصرية في القرن الخامس عشر، ومحفوظ الآن في متحف فكتوريا وألبرت بلندن.
شكل 4-6: كرسي من نحاس مخرم منشوري الشكل، ومسدس الأضلاع، ومكفت بالفضة، وعلى جوانبه زخارف هندسية مختلفة. وهو من صناعة مصر في القرن الرابع عشر الميلادي، ومحفوظ بدار الآثار العربية.
ولسنا نظن أنه كانت ثمة كتب عند المسلمين فيها نماذج الزخارف الهندسية الإسلامية الذائعة، ولكنا نرجح أن هذه الزخارف كانت سرا من أسرار الصناعة يتلقاه الصبيان عن معلميهم في الفن والمهنة.
شكل 4-7: زخرفة إسلامية لليوناردو دافنشي.
والمشاهد أن الزخارف الهندسية أكثر ذيوعا في الطراز المصري السوري منها في سائر الطرز الإسلامية، حتى لقد قيل إنها ترجع إلى الفن المصري القديم، كما قال آخرون إنها تظهر في زخارف الخيام والسجاجيد التي كان يصنعها الأقوام الرحل الذين كانوا يعيشون في أواسط آسيا، وقال فريق ثالث إنها ربما تأثرت بالرسوم الهندسية التي حذقها فريق من صناع الفسيفساء عند البيزنطيين، وورثها عنهم صانعو الفسيفساء المسلمون.
شكل 4-8: زخرفة هندسية إسلامية.
والمعروف أن بعض الزخارف الهندسية التي استخدمها البيزنطيون والقبط انتقلت إلى أيرلندا؛ حيث استخدمت في تزيين الصور التوضيحية في المخطوطات ، ولكن لم يكن لها هناك الوفرة والتعقيد اللذان كانا لها على يد المسلمين، واللذان كان يكسبان بعض أجزائها شيئا من الحركة والحياة.
صفحة غير معروفة