قوتان متناجزتان لم تشغل الميدان قوتان أكبر منهما منذ تصارعت في هذه الأرض قوتان؛ عقيدة وشهوة ، نسك وفتنة، جسد تمرد من فرط الحرمان وروح تمردت من فرط المتاع بالشهوات.
ولقد رزقت المرأة فتنة قوية، ولم ترزق عظمة قوية، فلم يزل عزيزا عليها أن تنخذل بالفتنة أمام العظمة، ولم يزل من دأبها أن تجرب هذا السلاح أمام كل سلاح، فجربته في كفاح الوفاء وكفاح البطولة وكفاح النسك والزهادة، وشاءت في هذه الجولة أن تضرب أقوى ضرباتها؛ لأنها آخر ضرباتها، فلما ضربتها سقطت من الإعياء ساجدة، فكانت سجدة العمر إلى الممات، وخرجت الراقصة عابدة من ميدان صراع.
وانتصر الخصمان وهما منهزمان أكبر انهزام: راقصة تفتن ناسكا وناسك يصلح راقصة، وذلك أقصى مدى الهزيمة والانتصار.
فلما انجلى الغبار كانت الراقصة راهبة في الدير، وكان الراهب مفتونا يهيم في وادي الغواية، وكلاهما صارع مصروع، ومفلح مخفق، وصامد هارب من الميدان.
وهذه صورة لسوق الرقيق في عاصمة من عواصمنا الشرقية، تعجبني منها عصبية الفنان لوطنه، وإن لم تعجبني منها حيدته عن الحقيقة في هذه العصبية.
فهذه السمراء الشرقية تراها مزهوة بعرض محاسنها كأنها ترحب بنظرات سيدها الذي أوشك أن يشتريها، ولا يعنيها الخجل كما يعنيها أن تظفر في هذا الموقف المخجل بنظرة استحسان.
وهذه البيضاء الغربية تداري وجهها بيديها، وتطرق برأسها وتدع الأنظار ترتع في محاسنها، كأنها تتلقاها على الرغم منها.
وفي الشرق خفر كثير لأنه وطن الحجاب، وفي الغرب جرأة كثيرة لأنه وطن السفور، فإذا وجدت شرقية واحدة وغربية واحدة في سوق واحدة، فهل من الحتم أن تكون الشرقية مثلا للتهتك الوقاح والغربية مثلا للخفر الخجول؟
قال صاحبي: أو لا يجوز للفنان أن يتعصب لوطنه؟
قلت: بلى يجوز، بل يجب في كثير من الأحيان، ولكن على أن يصدق البيان ولا يتكفل بتشويه الحقيقة؛ لأن الفن جمال، والجمال عدو لكل تشويه.
صفحة غير معروفة