على أن بعضا من أفراد ذلك الشعب - شعب الزواحف - أخذ يعيش في الأشجار. وكان بعض الشجر ضخما باسقا، قد يبلغ مائة قدم ارتفاعا، مما جعل هذه الزواحف أقل احتياجا إلى أرجلها في التنقل والزحف؛ إذ أصبح من ضرورات حياتها أن تنتقل من غصن إلى غصن بسهولة وسرعة ويسر.
لما بلغت من الضرورة هذا المبلغ، أخذ بعض جهات من إهابها الخارجي يتحول متكيفا في صورة مظلة تمتد طوال جسمها من الجانبين، مبتدئة عند يديها، منتهية عند قدميها. وسرعان ما نبت في هذه المظلة ضرب من الريش، فإذا انزلقت اتخذت من أذنابها شبه دفة كدفة السفين تحكم حركاتها، ومن ثمة طارت من شجرة إلى أخرى؛ فكان ذلك أول خروج الطير إلى عالم الوجود. •••
حدث في عالم الحياة حادث كبير؛ إن دعانا إلى العجب، فذلك لأننا نجهل أسبابه الصحيحة. فإن جميع الزواحف الضخام انقرضت في مدى زمن قصير نسبيا.
إننا لا نعرف السبب في ذلك!
ربما كان راجعا إلى تغير مفاجئ في الطقس، وربما عاد إلى أنها بلغت من الضخامة مبلغا منعها من السبح أو الزحف أو المشي، فماتت جوعا، وهي تنظر عن كثب إلى المراعي اليانعة، والأشجار الخضر، عاجزة عن أن تبلغ إليها.
ومهما يكن من أمر السبب في انقراضها، فإن ملكوت الزواحف الذي ظل ثابتا قرابة نصف مليون من السنين، قد أتى عليه تطور الأحياء. •••
مضت جوانب الدنيا بعد ذلك تمتلئ بصور مختلفة من شتى المخلوقات. لقد انحدرت جميعا عن الزواحف، ولكنها اختلفت عنها اختلافا كبيرا؛ إذ كانت تغذي صغارها بأثدائها، فعرفت في العلم الحديث باسم «الثدييات» أو «ذوات الثدي».
لقد نفضت عنها حراشف السمك، ولم تبق على ريش الطير، فاتخذت من الشعر كسوة لإهابها الخارجي.
كسبت ذوات الثدي فوق ذلك عادات أخرى، استعلت بها على غيرها من عالم الحيوان؛ فإن إناثها بدأت تختزن بيضاتها التناسلية في داخل جسمانها، حتى تنقف عن الجنين في تلك البيئة، في حين أن غيرها كان يترك صغاره عرضة لمخاطر البرد والحر وهجمات الوحوش الضارية . على العكس من ذوات الثدي؛ إذ مضت تلازم صغارها وتحتفظ بها، وترأمها وتحنو عليها، وتبقيها تحت كنفها زمنا طويلا، وتحميها في طور ضعفها وقلة حيلتها وعجزها عن أن تكافح أعداءها.
بهذا أصبح لذوات الثدي فرصة أسنح للبقاء، ذلك بما كسبت عن أمهاتها من العلم بأشياء كثيرة. تدرك ذلك لو أنك رأيت هرة ولاحظت كيف تعلم أولادها أمر العناية بأنفسها، وكيف تمسح وجوهها بأكفها، وكيف تصيد الفئران.
صفحة غير معروفة