مدنية العقل ومدنية الروح
المدنية الحديثة مدنية العقل، لا مدنية الروح، والظاهر أن مدنية الروح قد قضي عليها، ولكن إلى وقت موقوت وأجل مسمى.
سيشعر الإنسان عما قريب أن ارتقاءه المادي ليس وحده السبيل إلى السعادة، بل سوف يشعر أن الماديات لا تسلم إلى السعادة. ومن الجائز أن يرجع إلى الروحانيات يستدر وحيها، ولكن بطريقة مخالفة تماما للطريقة التي اتبعها حكماء الهند بين غياضها القديمة، وزهاد مصر في صحرائها الشاسعة.
حول وظيفة الدين
جمعني مجلس يوما فيه ملحد ومتدين، أو بلغة الفلسفة مؤمن وشكي. ودار بينهما الحديث على الدين ووظيفته في هذه الحياة، فكان من رأي المؤمن أن الدين إنما شرع لهداية الناس أفرادا وجماعات. أما الشكي فقد قال له: إذا سلمنا بهذا لزمنا أحد فرضين: فإذا قلنا بأن الدين قد هدى الناس إلى السبيل السوي، إذن لم يصبح له من وظيفة يؤديها؛ لأنه يكون قد أدى وظيفته بالفعل، وإذا قلنا بأن الناس لم يهتدوا رغم الأديان، كان هذا دليلا على إفلاس الأديان عن هداية العالم.
وهكذا دواليك على مر الأزمان.
في الوطنية
وما قولك في الوطنية: أرجع بك إلى كتاب حياة صموئيل جونسون، تأليف بوزويل، ففي الصفحة 115 من طبعة مكملان سنة 1922، مجلد ثان، تقع على هذه المحاورة:
جونسون : «إن الوطنية هي آخر ملجأ يلجأ إليه المنافقون.»
وهنا يعلق بوزويل على قول جونسون بقوله: «غير أنك لا تنس أنه لم يقصد بها حب الإنسان لوطنه، حبا صحيحا صادقا، بل قصد تلك الوطنية التي اتخذها الكثيرون في مختلف الأمم والعصور كساء يلتحفون به قضاء لأغراضهم، وحاجاتهم الشخصية.» أما أنا فقد استمسكت بفكرة أن كل الوطنيين لم يكونوا منافقين ولا خونة، ولما اضطررت إلى ذكر رجل من الوطنيين الذين نحبهم ونمجدهم (وهو بلا شك بيرك معاصرهم)، أجاب جونسون بما يأتي: «سيدي، إني لم أقل بأنه غير أمين، إنه ليس لدينا من حق في أن نستنتج من أخلاقه السياسية أنه كان أمينا حقا، فإنه إذا قبل مركزا في الوزارة الحالية، فإنه بذلك يفقد تلك الصفة التي اشتهر بها؛ صفة الصلابة في الحق وضبط النفس، وربما فقد مركزه فيها في خلال سنة واحدة؛ فإن هذه الوزارة ليست ثابتة، كما أنها ليست متفانية في الدفاع عن أصدقائها، كما كان سير روبر والبول من قبل، وعلى هذا يترتب أن يعتقد أن انضمامه للوزارة الآتية أبقى على فائدته من انضمامه إلى الوزارة الحالية.»
صفحة غير معروفة