في أدب مصر الفاطمية

محمد كامل حسين ت. 1380 هجري
72

في أدب مصر الفاطمية

تصانيف

ومن أشهر علماء الدعوة الفاطمية الذين كان لهم أثر قوي في الحياة العقلية بمصر أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس، ولد ببغداد في أسرة يهودية، ونشأ بها حيث درس شيئا من الكتابة والحساب، واتخذ التجارة متكسبا له، شأن غيره من أبناء جلدته الذين لا يتورعون عن كسب المال بشتى الطرق والوسائل، ثم رحل مع أبيه إلى الشام في بعض مسائل تجارية، فنزل مدينة الرملة وأقام بها فصار وكيلا للتجار بها، ثم فر منها إلى مصر. قيل إن سبب ذلك أنه اجتمع قبله مال عجز عن أدائه، فهرب.

36

وقيل بل أرسله أبوه إلى مصر للتجارة بها.

37

ومهما يكن من شيء فقد وفد يعقوب على مصر إبان ولاية كافور الإخشيدي، فاستطاع بذكائه وكياسته أن يتصل بكافور، وأظهر من علو النفس والجد ما جعل كافورا يقربه إليه ويثق به حتى اشتدت صلة يعقوب بكافور، فعرض عليه كافور الإسلام، فترك يعقوب اليهودية ودخل دين الإسلام، وذلك يوم الإثنين لثماني عشرة ليلة خلت من شعبان سنة 356، ولزم التعبد ودراسة القرآن، ورتب لنفسه رجلا من أهل العلم يدرس له أصول الدين الإسلامي، وكأنه في ذلك الوقت كان يتطلع إلى ما وصل إليه بعد ذلك، فعمل على إتمام النقص الذي كان يشعر به، وهو يهوديته السابقة، فأراد ألا يرمى بضعف إسلامه إذا بلغ ما تاقت إليه نفسه، فاجتهد في الدرس والتحصيل حتى بلغ فيهما درجة عالية، وكأني بالوزير أبي الفضل جعفر بن الفرات المعروف بابن حنزابة وزير كافور، عرف ما كان يرمي إليه يعقوب، فخشي من صلة كافور بهذا اليهودي التاجر، فإنه بعد أن أسلم يعقوب بن كلس اشتد مقت ابن حنزابة له، فنصب له الحبائل لإخراجه من البلاد، فلما توفي كافور سنة 357 قبض ابن الفرات على جميع الكتاب وأصحاب الدواوين، وطلب يعقوب بن كلس فوجده قد هرب إلى المغرب، واتصل يعقوب بالمعز لدين الله، فقربه المعز إليه وصحبه معه إلى مصر بعد أن فتحها الفاطميون. وقيل إن ابن كلس هو الذي أطلع المعز على أسرار مصر، وسهل له أمر فتحها بعد أن استعصت على جيوش الفاطميين من قبل.

وبعد أن استتب الأمر في مصر للمعز ونقل عاصمة ملكه إلى مدينة القاهرة، ولي يعقوب بن كلس الخراج وجميع وجوه الأموال والحسبة، وذلك في سنة 363ه، ومن مثل ابن كلس يصلح لأمر المال! فاستمر في عمله حتى سنة 365، فقد زادت صلته بالمعز واكتسب حبه وثقته، فولاه المعز النظر في جميع أموره في قصره، وبعد قليل توفي المعز لدين الله ففوض العزيز بالله ليعقوب النظر في سائر أموره وجعله وزيرا له، وذلك في المحرم 367، وفي رمضان 368 خلع العزيز عليه، ولقبه بالوزير الأجل، فكان يعقوب بن كلس أول وزير في مصر الفاطمية.

ويروي ابن زولاق مؤرخ مصر ومعاصر ابن كلس: «أنه لما خلع على الوزير يعقوب بن كلس، وكان مكينا من العزيز وكنت حاضرا مجلسه، فقلت أيها الوزير: روى الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: حدثني الصادق رسول الله

صلى الله عليه وسلم : «أن الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من سعد في بطن أمه.» وهذا علو سماوي. فقال الوزير: ليس الأمر كذلك، وإنما أفعالي وتوفيراتي وكفايتي ونيابتي ونيتي وحرصي الذي كان يهجى ويعاب، قد مات قوم ممن كان وبقي قوم. وكان هذا القول بحضرة القوم الذين حضروا قراءة السجل الذي خرج من العزيز في ذكر تشريفه. قال ابن زولاق: فأمسكت، وقلت: وفق الله الوزير، إنما رويت عن رسول الله

صلى الله عليه وسلم

حديثا صحيحا. وقمت وخرجت وهو ينظر إلي. وحدثني أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الحسيني قال: عاتبت الوزير على ما تكلم به، وقلت: إنما روى حديثا صحيحا بجميع طرقه، وما أراد إلا الخير. فقال الوزير: خفي عنك، إنما هذا مثل قول المتنبي في كافور:

صفحة غير معروفة