وموضوع القصة موضوع طويل وشائق، فهناك تاريخ القصة ونشأتها في العالم، وأنواع القصة من: خرافة ومثل، وحكاية, وأقصوصة, ورواية, ثم ألوان الرواية من: واقعية أو خيالية أو تاريخية أو نفسية, إلى آخر هذه الأبحاث، ثم هناك شروط القصة وكيفية بنائها, وما يشترط في المقدمة والحوادث والعقدة والجو والحل، وهل تخالف القصة القصيرة في تركيبها وإنشائها الرواية؟ وبعد ذلك كله # هناك القصص الأوربي، والقصص العربي، وهل الأدب العربي كما يزعم بعض الباحثين مجدب من القصة؛ كل هذه موضوعات كنا نود البحث فيها، وإيفاؤها حقها1, ولكنها كما ترى طويلة وتحتاج إلى كتاب خاص نتناول فيه القصص منذ نشأته إلى اليوم، يتعرض للقصص العربي بالتفصيل مبتدئا بالعصر الجاهلي, والموازنة بين خرافات الجاهلية وأساطير اليونان والرومان؛ ثم يتكلم على قصص القرآن، ثم القصص الإبداعي في العصر الأموي, أي: قصص الحب العذري، ثم تأثر الأدب العربي بالآداب الأجنبية، ولا سيما الأدب الفارسي, وظهور كليلة ودمنة، وقصص ابن عبدوس الجهشياري، والصادح والباغم, ثم ظهور المقامات، وبعد ذلك كله ظهور ألف ليلة وليلة, ومقدار ما به من فن، ومنزلته في عالم الأدب، ويتعرض الباحث في الأدب العربي حين يكتب في كل هذا للأثر العربي الخالص في هذه القصص، وللتأثير الأجنبي فيها؛ ليستخلص من كل ذلك حكما على العقلية العربية، وعلك قد رأيت من إثارة هذه الموضوعات أمامك أنها تحتاج إلى كتاب خاص، يتكلم عنها بإسهاب ويوفيها حقها من البحث والتمحيص، ولعل ذلك يكون قريبا.
أما الآن فإني أتعرض للقصة من ناحية واحدة، دعاني إليها كثرة ما ترجم من أدب الغرب وقصصه في أخريات القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ودعوى الغربيين بأنها نتاج يصعب على العرب إخراج مثله؛ إذ ينقصهم الخيال المبتكر والعقل الخالق.
صفحة ٣٩٢