بعد إعلان هذه الخطة الإدارية، اضطربت دوائر السياسة في الشام، وكان قد اتفق الأمير فيصل وأولياء الأمر من البريطانيين أن يسافر إلى باريس ليمثل العرب في مؤتمر فرساي، فنزل إلى بيروت في معيته الكرنل لورنس، فدخلها مثلما دخل دمشق زعيما محبوبا، وكان له فيها استقبال فاق استقبال الدمشقيين رونقا وبهاء. نزل الأمير ضيفا على الجنرال بلفين
4
قائد الفرقة البريطانية الحادية والعشرين، وأقام في المدينة ثلاثة أيام، وصرح قبل سفره أنه يطالب باستقلال المناطق المحررة بمساعدة الأحلاف من حكم الأتراك ، وأنه ذاهب إلى باريس لهذه الغاية .
وفي 22 تشرين الثاني سنة 1918 أبحر من بيروت، فاستقبل في مرسيليا استقبالا رسميا، وما كاد يصل إلى باريس حتى استحالت شهرته العربية إلى شهرة أوروبية، بل إلى شهرة حملها البرق على أجنحة الصحافة إلى أقطار العالم المتمدن كافة.
كان الأمير في باريس قطب دائرة باهرة من دوائر السياسة. ولا غرو؛ فهو لطيف في مقابلته، مؤنس في مجلسه، مقنع في حديثه، فأدهش حتى الصحفيين. لا أظن أن الصحافة إجمالا عطفت على قضية من قضايا الحرب عطفها على القضية العربية وحامل لوائها.
وقد أعجب بالأمير كثيرون من السوريين اللبنانيين الذين كانوا يقاومون سياسته العربية بسياسة لبنانية فرنسية. وجاء باريس وفود من سوريي أميركا ليعلنوا رسميا أنهم من أنصاره، فكان - والحق يقال - موفقا في أنصاره ومريديه أكثر من كبار ساسة ذاك الزمان.
ثم جاءه فاضل أميركي يفتح باب الأمل الأكبر؛ الأمل الجديد الأبهر، فتمثل الأمير الفوز على يد أميركا إذا خذلته إنكلترا، ورحب بمساعي رئيس الجامعة الأميركية السابق الدكتور هاورد بليس، الذي كان يعتقد أن الحكومة الأميركية تقبل الانتداب في سوريا إذا طلب ذلك السوريون.
هو ذا الأمير فيصل تتجاذبه العوامل السياسية العديدة، يحوم حوله الزعماء وتتزلف إليه الآمال المائعة، وتشع أمامه مصابيح الصحافة، وتجلس لديه عرائس الشهرة والإعجاب، وتهمس في أذنه المقاصد الدولية كلمات لها كل يوم معنى جديد. ولكنه في باريس، تحت عين الحكومة الفرنسية، وفي ظل ابتسامة أمة نبوغها في تهكمها، بيد أن هذا النبوغ لا يشمل دائما حكومتها؛ فقد أحدث وجود الأمير في باريس ضجة أزعجت تلك الحكومة، فصرح في 29 ك1 المسيو بيشون وزير الخارجية يومئذ بأن لفرنسا حقوقا تاريخية وشرعية وثقافية في سوريا لا تتنازل قطعا عنها.
وكان الأمير لا يزال ينتظر الإذن بالدخول إلى مؤتمر السلم، فرفع إليه بعد يومين عريضة فيها الجواب بما يلي من المطالب على تصريح وزير الخارجية.
طلب الأمير:
صفحة غير معروفة