كانت الدراما الشعائرية مسرحية دينية تولدت عن الفن الموسيقي في العصر الوسيط. وقد بدأت بوصفها وسيلة مبسطة لتفسير الكتب المقدسة لأفراد الكنيسة الأميين، ولكنها تدهورت بمضي الزمن، حتى أصبحت مسرحية ذات طابع ديني مشكوك فيه، وشوهت قداسة الكنيسة التي كانت تعرض فيها. وهناك وجه شبه تاريخي غير واضح المعالم بين أصل الدراما الشعائرية في العصور الوسطى وبين ذلك التفسير الرومانتيكي الذي قدمه الفيلسوف «نيتشه» لنشأة الدراما اليونانية في كتابه «ميلاد التراجيديا من روح الموسيقى اليونانية»؛ فقد كان نيتشه يرى أن الدراما اليونانية قد نشأت من روح الموسيقى اليونانية، ثم تدهورت في المسرح الروماني إلى استعراضات سطحية تافهة. وبالمثل نشأت الدراما الشعائرية من فن «التروبس» (الفواصل) الموسيقي، ثم تدهورت فأصبحت عروضا تافهة للحياة في عصور الكتاب المقدس وحكاياته.
ولقد كان آباء الكنيسة ينظرون إلى المسرح على أنه لون حسي مبتذل من ألوان الفن. وقد شكا المتحدث الرئيسي باسمهم، وهو القديس أوغسطين، من أن الشبان قد افتتنوا بخرافات هوميروس التي يعرضها عليهم كتاب المسرح من الرومان،
20
وفي الكتاب الثاني من «الاعترافات» قال إن المسيحيين يجدون لذة خاصة عندما يشعرون إزاء المحبين الآثمين والمجرمين الكبار في المسرح بأسف يفوق ذلك الذي يشعرون به إزاء نفوسهم المضطربة والتعساء الموجودين بينهم،
21
كذلك ورد ذكر المسرح الوثني والموسيقى الدينية في كتابات ترتوليان
Tertullian (حوالي 155 وحوالي 222م)، ذلك المتدين الشديد التمسك بعقيدته، الذي تخلى عن كنيسته الأصلية لينضم إلى طائفة غريبة الأطوار وجدها أكثر تمشيا مع المسيحية الزاهدة؛ فقد وصف ترتوليان المسرح الروماني بأنه معبد وثني يأوي شيطاني الثمالة والشهوة، باخوس وفينوس، وأرجع أصل المسرح إلى المعبد الوثني والمذبح الذي كان الوثنيون يحرقون البخور فوقه، وسط أنغام المزمار والأبواق الصارخة، ويقدمون القرابين إلى آلهتهم الحقارى.
22
وقال إن العروض المسرحية التي ترجع إلى أصل كهذا لا يمكن أن تعد جديرة، من الوجهة الأخلاقية، بالموسيقى المسيحية الصالحة التي كان المؤمنون يغنونها فيما بينهم؛ فالمزامير
psalms
صفحة غير معروفة